الأربعاء، 9 فبراير 2022

ج5- كتاب إبراز المعاني من حرز الأماني{ من ص -730- باب: التكبير الي اخر الكتاب ص -785- }} والحمد لله رب العالمين

      كتاب إبراز المعاني من حرز الأماني                   

ص -730- باب: التكبير
إنما أخر ذكر هذا الباب؛ لأن حكمه متعلق بالسور الأخيرة، ومن المصنفين من لم يذكره أصلا كابن مجاهد، وقدم النظم قبل بيان حكمه عند القراء أبياتا في فضل الذكر مطلقا من تكبير وغيره فقال:
1121-

رَوَى القَلْبَ ذِكْرُ اللهِ فَاسْتَسْقِ مُقْبِلا وَلا تَعْدُ رَوْضَ الذَّاكِرِينَ فَتُمحِلا

هذا البيت مقفي مثل أول القصيدة وأول سورة الرعد والأنبياء وغيرها وهو حسن كما نبهنا عليه في شرح الذي في أول الرعد، وروى القلب ريه يقال روي من الماء يروى على وزن رضى يرضى، ويقال في مصدره أيضا رَيا ورِيا بفتح الراء وكسرها نص عليه الجوهري، ولما جعل ذكر الله تعالى ريا للقلب أمر بالازدياد من الري فاتبع ذلك اللفظ المجاز ما يناسبه فقال: فاستسق؛ أي: اطلب السقي مقبلا على ذلك؛ أي: أكثر من الذكر والتمس محله ومواضعه ولا تعد؛ أي: ولا تتجاوز رياضه والروض جمع روضة فتمحلا؛ أي: فتصادف محلا فلا يحصل ري ولا شرب وأشار بذلك وما يأتي بعده إلى أحاديث كثيرة جاءت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في فضل ذكر الله تعالى والحث عليه وهي مفرقة في الصحيحين وغيرهما.
وقد جمع جعفر الغرياني الحافظ فيه مصنفا حسنا وما أحسن ما قال بلال بن سعيد وهو من تابعي أهل الشام الذكر ذكران ذكر الله باللسان حسن جميل، وذكر الله عند ما أحل وحرم أفضل، وكيف لا يكون ذكر الله تعالى روى للقلب وقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم" أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقول: "إن لكل شيء صقالة وإن صقالة القلوب ذكر الله تعالى" أخرجه الحافظ البيهقي في كتاب الدعوات.
وأما تعبيره عن مجالس الذكر بالروض؛ فلما جاء في حديث جابر بن عبد الله قال خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال:
"يا أيها الناس إن لله تعالى سرايا من الملائكة تقف وتحل على مجالس الذكر فارتعوا في رياض الجنة، قلنا أين رياض الجنة يا رسول الله؟ قال: مجالس الذكر فاغدوا وروحوا في ذكر الله واذكروه بأنفسكم من كان يحب أن يعلم كيف منزلته من الله -عز وجل- فلينظر منزلة الله عنده فإن الله تبارك وتعالى ينزل العبد حيث أنزله من نفسه" أخرجه البيهقي في كتاب "الدعوات وشعب الإيمان".
وأخرجه الغرياني وأخرج أيضا في معناه أحاديث كثيرة منها عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر من ذكر الله عز وجل".
1122-

ص -731- آثر من الإيثار؛ أي: عدم مثراة عذب الذكر على كل شيء والمثراة من قولهم هذا مثراة للمال؛ أي: مكثر له؛ أي: قدم مكتسب عذبه ومكثرته ولمثراة أيضا مصدر ثري المكان يثرى ثرى ومثراة إذا كثر نداه فبلله؛ أي: قدم ندى عليه على كل شيء وذلك مما يستعار للوصلة والذكر وصلة بين العبد وبين ربه عز وجل ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: "بلوا أرحامكم ولو بالسلام"؛ أي: صلوها، وتقول العرب: بيني وبين فلان مثرى؛ أي: وصلة لم تتقطع، وهو مثل كأنه قال لم ييبس ما بيني وبينه ومنه قول جرير:

فلا توبسوا بيني وبينكم الثرى فإن الذي بيني وبينكم مثرى

وقوله: عن الآثار؛ أي: آخذا بذلك الإيثار عن الآثار والأخبار الواردة عن النبي عليه الصلاة والسلام؛ أي: مستمدا أدلة الإيثار من الآثار نحو ما في صحيح مسلم عن الأغر أبي مسلم أنه شهد على أبي هريرة وأبي سعيد أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما جلس قوم يذكرون الله إلا حفت بهم الملائكة وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله تعالى في من عنده"، وفي جامع الترمذي عن عبد الله بن بشر أن رجلا قال: يا رسول الله: "إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيء أتشبث به، قال: "لا يزال لسانك رطبا بذكر الله تعالى"، قال: هذا حديث حسن غريب، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله ملائكة سيارة فضلاء يلتمسون مجالس الذكر فإذا أتوا على قوم يذكرون الله تعالى جلسوا فأظلوهم بأجنحتهم ما بينهم وبين السماء الدنيا فإذا قاموا عرجوا إلى ربهم، فيقول تبارك وتعالى وهو أعلم: من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عباد لك يسبحونك ويحمدونك ويهللونك ويكبرونك ويستجيرونك من عذابك ويسألونك جنتك، فيقول الله تعالى: وهل رأوا جنتي وناري؟ فيقولون: لا، فيقول: فكيف لو رأوهما، فقد أجرتهم مما استجاروا وأعطيتهم ما سألوا فيقال: إن فيهم رجلا مر بهم فقعد معهم فيقول: وله فقد غفرت؛ إنهم القوم لا يشقى بهم جليسهم"، وعن الحارث الأشعري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله تعالى أوحى إلى يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن: أن لا يشركوا بالله شيئا، وإذا قمتم إلى الصلاة فلا تلتفتوا، وأمركم بالصيام والصدقة وضرب لكل واحدة مثلا، ثم قال: وأمركم بذكر الله تعالى كثيرا ومثل ذلك كمثل رجل طلب العدو سراعا من أثره حتى أتى حصنا حصينا فأحرز نفسه فيه وكذلك العبد لا ينجو من الشيطان إلا بذكر الله -عز وجل".
وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها من درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق وأن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: ذكر الله -عز وجل" أخرجه البيهقي في كتاب الدعوات، ففي ذلك تفسير قوله: وما مثله للعبد حصنا وموئلا؛ أي: وما للعبد مثل الذكر نافعا له هذه المنفعة المشار إليها في الحديث ونصب حصنا وموئلا على التمييز؛ أي: ما للعبد حصن وموئل مثل الذكر ويجوز نصبهما على الحال؛ أي: مشبها حصنا وموئلا هنا اسم مكان؛ أي: موضعا يؤول إليه؛ أي: يرجع ويأوى فيه وكل ذلك استعارات حسنة وقد سبق في أول القصيدة تفسير الموئل بالمرجع وهو بهذا المعنى فكل ما تستند إليه فهو موئل لك ولا يجوز نصب حصنا على أنه خبر ما النافية على لغة أهل الحجاز لاختلاف المعنى حينئذ؛ لأنه كان يفيد ضد المقصور من هذا الكلام.
ص -732- 1123-
وَلا عَمَلٌ أَنْجى لَهُ مِنْ عَذَابِهِ غَدَاةَ الْجَزَا مِنْ ذِكْرِهِ مُتَقَبَّلا

له؛ أي: للعبد والهاء في عذابه، وذكره لله تعالى وغداة الجزاء؛ يعني: يوم القيامة؛ لأن النجاة المعتبرة هي المطلوبة ذلك اليوم فنصب غداة على الظرف وقصر الجزاء ضرورة ومتقبلا حال من الذكر فإنه إن لم يكن متقبلا لم يفد الذكر شيئا وضمن هذا البيت حديثا روي مرفوعا وموقوفا؛
أما المرفوع فعن ابن عمر في الحديث الذي سبق في أوله: "صقالة القلوب ذكر الله تعالى" قال بعد ذلك: "وما شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله تعالى"، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع"، أما الموقوف ففي آخر الحديث الذي سبق أوله: "ألا أنبئكم بخير أعمالكم".
قال: وقال معاذ بن جبل: ما عمل آدمي من عمل أنجى له من عذاب الله تعالى من ذكر الله تعالى، أخرجهما البيهقي من كتاب الشعب والدعوات الكبير، وأخرجه الفريابي في كتابه عن معاذ، وزاد: قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله -عز وجل؟ قال: لا ولو ضرب بسيفه، زاد في رواية: حتى ينقطع ثلاثا. قال الله تعالى: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} والله أعلم.
1124-

ومَنْ شَغَلَ الْقُرْآنُ عَنْهُ لِسَانَهُ يَنَلْ خَيْرَ أَجْرِ الذَّاكِرِينَ مُكَمَّلا

جعل الشيخ -رحمه الله- تفسير هذا البيت الحديث الذي أخرجه الترمذي عن أبي سعيد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "يقول الرب -عز وجل: من شغله القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين وفضل كلام الله تعالى على سائر الكلام كفضل الله على خلقه" قال: هذا حديث حسن غريب وقد ذكر طريق هذا الحديث وتكلم عليه الحافظ المقرئ أبو العلا الهمذاني في أول كتابه في الوقف والابتداء، وقال: "من شغله قراءة القرآن" وفي آخره "أفضل ثواب السائلين"؟، وفي رواية: "من شغله القرآن في أن يتعلمه أو يعلمه عن دعائي ومسألتي"، وذكره أبو بكر بن الأنباري في أول كتاب الوقف أيضا، وأخرجه البيهقي أيضا وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يقول: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين".
قال البيهقي وكذا رواه البخاري في التاريخ.
قلت: فبان من مجموع هذه الروايات أن الاشتغال بالذكر يقوم مقام الدعاء وأن قراءة القرآن من جملة الاشتغال بالذكر بل هو أفضل، وإليه أشار الناظم بقوله: خير أجر الذاكرين، ومكملا حال إما من خير وإما من أجر، وقد نص الإمام الشافعي -رضي الله عنه- على ذلك فقال: أستحب أن يقرأ القرآن؛ يعني: في الطواف؛ لأنه موضع ذكر والقرآن من أعظم الذكر، والهاء في قوله: عنه يجوز أن تعود على الذكر؛ يعني: ومع ما ذكرنا من



ص -733- فضيلة الذكر فمن اشتغل عنه بالقرآن فهو أفضل، ويجوز أن تعود على من؛ أي: من كف لسانه عنه؛ أي: أذاه؛ لأن أكثر كلام الإنسان عليه لا له فإذا اشتغل بالقرآن أو الذكر انكف عما يتوقع منه الضرر فصح معنى عنه بهذا التفسير.
وفي الحديث عن أم حبيبة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر، وذكر الله"، وفي الكتاب المذكور للحافظ أبي العلا عن أبي هريرة مرفوعا: "أعبد الناس أكثرهم تلاوة للقرآن" وفيه عن أنس مرفوعا: "أفضل العبادة قراءة القرآن" وتلاوة القرآن أحب إلي، قال أبو يحيى الحمامي: سألت سفيان الثوري عن الرجل يقرأ القرآن أحب إليك أم يغزو؟ قال: يقرأ القرآن فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه".
قلت: هذا حديث صحيح أخرجه البخاري، وقد جمع الحافظ أبو العلا طرقه في أول كتاب الوقف المذكور. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: رأيت رب العزة في المنام فقلت: يا رب ما أفضل ما يتقرب به المتقربون إليك؟ فقال: كلامي يا أحمد، فقلت: يا رب بفهم أو بغير فهم؟ فقال: بفهم وبغير فهم، قلتُ: فكل هذا مما يوضح لنا أن تلاوة القرآن من أعظم الذكر كما قال الشافعي -رضي الله عنه- لأنه يجمع الذكر باللسان وملاحظة القلب أنه يتلو كلام الله -عز وجل- ويؤجر عليه بكل حرف عشر حسنات على ما ثبت في أحاديث أخر.
1125-

وَمَا أَفْضَلُ الأَعْمَالِ إِلا افْتِتَاحُهْ مَعَ الْخَتْمِ حِلًّا وَارْتِحالًا مُوَصَّلا

أي: افتتاح القرآن مع ختمه؛ أي: حاله ختمه للقرآن يشرع في أوله فقوله: موصلا حال من الضمير في افتتاحه العائد على القرآن؛ أي: في حال وصل أوله بآخره وقوله: حلا وارتحالا من باب المصدر المؤكد لنفسه؛ لأن الحل والارتحال المراد بهما افتتاحه مع الختم فهو نحو له على ألف درهم عرفا، وأشار بذلك إلى حديث روي من وجوه عن صالح عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن ابن عباس قال: قال رجل: يا رسول الله، أي الأعمال أحب إلى الله -عز وجل؟ قال: "الحال المرتحل" أخرجه أبو عيسى الترمذي في أبواب القراءة في أواخر كتابه فقال: حدثنا نصر بن على الجهضمي قال: حدثنا الهيثم بن الربيع حدثني صالح المري فذكره، ثم قال: هذا حديث غريب لا نعرفه عن ابن عباس إلا من هذا الوجه. حدثنا محمد بن بشار حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا صالح المري عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يذكر فيه عن ابن عباس قال: وهذا عندي أصح؛ يعني: أنه من حديث زرارة وليس له صحة إلا من حديث ابن عباس وكيف ما كان الأمر فمدار الحديث على صالح المري وهو وإن كان عبدا صالحا فهو ضعيف عند أهل الحديث، قال البخاري في تاريخه هو منكر الحديث، وقال النسائي: صالح المري متروك الحديث.
ثم على تقدير صحته فقد اختلف في تفسيره فقيل: المراد به ما ذكره الفراء على ما يأتي بيانه وقيل: بل هو إشارة إلى تتابع الغزو وترك الإعراض عنه فلا يزال في حل وارتحال وهذا ظاهر اللفظ؛ إذ هو حقيقة في ذلك وعلى ما أوله به الفراء يكون مجازا، وقد رووا التفسير فيه مدرجا في الحديث، ولعله من بعض رواته.



ص -734- قال أبو محمد بن قتيبة في آخر غريب الحديث له في ترجمة أحاديث لا تعرف أصحابها: جاء في الحديث: أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: "الحال المرتحل" قيل: ما الحال المرتحل؟ قال: الخاتم والمفتتح.
قال ابن قتيبة: الحال هو الخاتم للقرآن شبه برجل سافر فسار حتى إذا بلغ المنزل حل به كذلك تالي القرآن يتلوه حتى إذا بلغ آخره وقف عنده والمرتحل المفتتح للقرآن شبه برجل أراد سفرا فافتتحه بالمسير قال: وقد يكون الخاتم المفتتح أيضا في الجهاد وهو أن يغزو ويعقب وكذلك الحال المرتحل يريد أنه يصل ذلك بهذا.
قلت: هذا هو الظاهر من تفسير هذا اللفظ لوجهين.
أحدهما: حمل اللفظ على حقيقته فيكون التفسير الأول الذي ذكره ابن قتيبة في الحديث من كلام بعض الرواة وهو مفصول من الحديث ولهذا لم يكن في كتاب الترمذي إلا قوله: الحال المترحل من غير تفسير وكان السائل عن التفسير بعض الرواة لبعض فأجابه المسئول بما وقع له، وتقدير الحديث عمل الحال المرتحل وحذف المضاف؛ لدلالة السؤال عليه.
الوجه الثاني أن المحفوظ في الأحاديث الصحيحة غير ذلك فإنه سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أفضل الأعمال فقال: "إيمان بالله، ثم جهاد في سبيله، ثم حج مبرور".
وفي حديث آخر: "الصلاة لوقتها، ثم بر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله".
وقال لأبي أمامة: "عليك بالصوم فإنه لا مثل له"، وفي حديث آخر: "واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة".
وإذا فسر الحال المرتحل بمتابعة الغزو وافق قوله: ثم جهاد في سبيله؛ أي: أنه من أفضل الأعمال كنظائر لذلك يعبر عن الشيء؛ لأنه الأفضل؛ أي: هو من جملة الأفضل؛ أي: المجموع في الطبقة العليا التي لا طبقة أعلى منها وهذا المعنى قد قررناه في مواضع من كتبنا.
1126-

وَفِيهِ عَنِ الْمَكينَ تَكْبِيرُهُمْ مَعَ الْـ ـخَوَاتِمِ قُرْبَ الْخَتْمِ يُرْوى مُسَلْسَلا

أي: وفي القرآن أو في ذلك العمل الذي عبر عنه بالحل والارتحال وهو وصل آخر كل ختمة بأول أخرى على ما سيأتي بيانه في عرف القراء، وقوله: عن المكين جمع مك كما قال في مواضع كثيرة ومك ومراده مكي بياء النسب ولكنه حذفها ضرورة عند العلم بها تخفيفا، وقد قرئ في الشواذ: "هو الذي بعث في الأمين" كأنه جمع أم قال الزمخشري في تفسيره: وقرئ: "في الأمين" بحذف ياء النسب قلت: ومثله قول عقبة الأسدي:

وأنت امرؤ في الأشعرين مقاتل

وقول لقيط الإيادي:

زيد الفنا حين لا في الحارثين معا

كأنهما جمع أشعر وحارث وإنما هما جمع أشعري وحارثي.
وقد ذكرت هذين البيتين في ترجمة عامر بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري وترجمة المهلب بن أبي صفرة في مختصري لتاريخ دمشق، وقوله: تكبيرهم؛ أي: تكبير المكيين؛ أي: وفي القرآن تكبير المكيين مع الخواتم



ص -735- جمع خاتمة؛ يعني: خواتم السور إذا قرب ختم القرآن في قراءة القارئ على ما سيبين في موضعه، قال مكي في التبصرة: والتكبير سنة كانت بمكة ولا يعتبر في التكبير قراء مكة ابن كثير ولا غيره كانوا لا يتركون التكبير في كل القراءات من خاتمة والضحى قال: ولكن عادة القراء الأخذ بالتكبير لابن كثير في رواية البزي خاصة، ومن المصنفين من حكى التكبير لجميع القراء في جميع سور القرآن ذكره أبو القاسم الهذلي في كتابه الكامل، وذكره أيضا الحافظ أبو العلاء وقوله: يروي مسلسلا؛ أي: يروي التكبير رواية مسلسلة على ما هو المسلسل في اصطلاح المحدثين. أنبأنا القاضي أبو القاسم الأنصاري أنبأنا عبد الله الفراوي أنبأنا أبو بكر البيهقي سماعا وأجازة أنبأنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو يحيى محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ الإمام بمكة في المسجد الحرام أنبأنا أبو عبد الله محمد بن علي بن زيد الصائغ أنبأنا أحمد بن محمد بن القاسم عن أبي بزة قال: سمعت عكرمة بن سليمان يقول: قرأت على إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين فلما بلغت: "والضحى" قال لي: كبر عند خاتمة كل سورة، وإني قرأت على عبد الله بن كثير: فلما بلغت والضحى قال: كبر حتى تختم، وأخبره عبد الله بن كثير أنه قرأ على مجاهد وأمره بذلك وأخبره مجاهد أن ابن عباس أمره بذلك وأخبره ابن عباس أن أبي بن كعب أمره بذلك وأخبره أبي بن كعب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمره بذلك قال الحاكم في كتابه المستدرك على الصحيحين هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
قلت: وأنبأنا به أعلى من هذا: أبو اليمن الكندي أنبأنا أبو عبد الله الحسين بن علي بن أحمد بن عبد الله سبط أبي منصور الخياط أنبأنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن عبد الله بن النقور أنبأنا أبو طاهر المخلص أنبأنا يحيى بن محمد ابن صاعد أنبأنا البزي فذكره.
قال الحافظ أبو العلاء الهمداني: لم يرفع التكبير أحد من القراء إلا البزي فإن الروايات قد تطارقت عنه برفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ومدار الجميع على رواية البزي كما ذكرناه، ثم أسند عن البزي قال: دخلت على الشافعي -رضي الله عنه- إبراهيم بن محمد، وكنت قد وقفت عن هذا الحديث؛ يعني: حديث التكبير فقال له بعض من عنده: إن أبا الحسن لا يحدثنا بهذا الحديث فقال لي: يا أبا الحسن والله لئن تركته لتركت سنة نبيك، قال: وجاءني رجل من أهل بغداد ومعه رجل عباسي وسألني عن هذا الحديث فأبيت أن أحدثه إياه فقال: والله لقد سمعناه من أحمد بن حنبل عن أبي بكر الأعين عنك فلو كان منكرا ما رواه وكان يجتنب المنكرات، ثم أسند الحافظ أبو العلاء الروايات الموقوفة فأسند عن حنظلة بن أبي سفيان قال: قرأت على عكرمة بن خالد المخزومي، فلما بلغت "والضحى" قال لي: هيها.
قلت: وما تريد بهيها؟ قال: كبر؛ فإني رأيت مشايخنا ممن قرأ على ابن عباس فأمرهم ابن عباس أن يكبروا إذا بلغوا "والضحى"، وأسند عن إبراهيم بن يحيى بن أبي حية التميمي قال: قرأت على حميد الأعرج فلما بلغت "والضحى" قال لي: كبِّر إذا ختمت كل سورة حتى تختم فإني قرأت على مجاهد فأمرني بذلك، وقال: قرأت على ابن عباس -رضي الله عنه- فأمرني بذلك. وفي رواية أنبأنا حميد الأعرج قال: قرأت على مجاهد القرآن فلما بلغت: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} قال لي: كبر إذا فرغت من السورة فلم أزل أكبر حتى ختمت القرآن ثم قال مجاهد: قرأت على ابن عباس فلما بلغت هذا الموضع أمرني بالتكبير فلم أزل أكبر حتى ختمت، وقال أيضا: حدثني حميد الأعرج عن مجاهد قال: ختمت على ابن عباس تسع عشرة ختمة فكلها



ص -736- يأمرني فيها أن أكبر من سورة "ألم نشرح"، ثم أسند الحافظ أبو العلا عن شبل بن عباد قال: رأيت محمد بن عبد الله بن محيصن وعبد الله بن كثير الداري إذا بلغا ألم نشرح كبرا حتى يختما ويقولان رأينا مجاهدا فعل ذلك، وذكر مجاهد أن ابن عباس كان يأمره بذلك، ثم أسند عن قنبل حديث النبال حدثنا عبد المجيد عن ابن جريج عن مجاهد أنه كان يكبر من أول "والضحى" إلى الحمد قال ابن جريج: وأرى أن يفعله الرجل إماما كان أو غير إمام قال أبو يحيى ابن أبي ميسرة ما رفعه أحد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- غير ابن أبي بزة ولو كان أحد رفعه غيره لكان الواجب اتباعه إذ كان أمرا من النبي -صلى الله عليه وسلم- قال الحافظ أبو العلا فأما الرواية والإجماع في ذلك فعن عبد الله ابن عباس ومجاهد وقد روي عن علي -رضي الله عنه- أنه كان يقول إذا قرأت القرآن فبلغت بين المفصل فاحمد الله وكبر بين كل سورتين وفي رواية فتابع بين المفصل في السور القصار واحمد الله وكبر بين كل سورتين، ثم ذكر الحافظ أبو العلا عن البزي بإسناده أن الأصل في التكبير أن النبي -صلى الله عليه وسلم- انقطع عنه الوحي، وقد اختلف في سبب ذلك، وفي قدر مدة انقطاعه فقال المشركون: قلى محمدا ربُّهُ، فنزلت سورة "والضحى"، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر"، وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يكبر إذا بلغ والضحى مع خاتمة كل سورة حتى يختم قال أبو الحسن بن غلبون: فلما قرأها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبر حتى ختم شكرا لله تعالى لما كذب المشركون فيما زعموه، وقال الشيخ في شرحه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر تصديقا لما أنا عليه وتكذيبا للكفار"، وذكر عن أبي عمر والداني بسنده إلى البزي قال: قال لي محمد بن إدريس الشافعي -رضي الله عنه: إن تركت التكبير فقد تركت سنة من سنن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: وروى بعض علمائنا عن الحسن بن محمد بن عبد الله ابن أبي يزيد القرشي قال: صليت بالناس خلف المقام بالمسجد الحرام في التراويح في شهر رمضان فلما كان ليلة الختمة كبرت من خاتمة "والضحى" إلى آخر القرآن في الصلاة فلما سلمت التفت وإذا أنا بأبي عبد الله محمد ابن إدريس الشافعي -رضي الله عنه- قد صلى ورائي، فلما بصرني قال لي: أحسنت أصبت السنة قال أبو الطيب عبد المنعم بن غلبون: وهذه سنة مأثورة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعن الصحابة والتابعين وهي سنة بمكة لا يتركونها البتة ولا يعتبرون رواية البزي ولا غيره قال: ومن عادة القراء في غير مكة أن لا يأخذوا بها إلا في رواية البزي وحدها.
1127-

إِذا كَبَّروا في آخِرِ النَّاسِ أَرْدَفُوا مَعَ الْحَمْدِ حَتَّى الْمُفْلِحونَ تَوَسَّلا

الضمير في كبروا للمكيين بيَّن في هذا البيت آخر مواضع التكبير، وكان قد أجمل ذلك في قوله: مع الخواتم قرب الختم، وفي البيت الآتي يبين أول ذلك ومفعولا أردفوا محذوفان؛ أي: أردفوا التكبير مع قراءة سورة الحمد قراءة أول سورة البقرة حتى يصلوا إلى قوله: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وهذا يعبر عنه بعض المصنفين بأنه أربع آيات ويعبر عنه آخرون بأنه خمس آيات ووجه ذلك الاختلاف في لفظ ألم فعدها الكوفي آية ولم يعدها غيره، وحكى الناظم لفظ القرآن بقوله: حتى المفلحون وتوسلا مفعول من أجله؛ أي: تقربا إلى الله تعالى بطاعته، وذكره ولا تكبير بين الحمد والبقرة قال مكي: يكبر في أول كل سورة من: {أَلَمْ نَشْرَحْ} إلى أول الحمد، ثم يقرأ الحمد فإذا تم لم يكبر، وابتدأ بالبقرة من غير تكبير، فقرأ منها خمس آيات قال: وروي أن أهل مكة كانوا يكبرون في آخر كل ختمة من خاتمة "والضحى" لكل القراء لابن كثير وغيره سُنّة نقلوها عن شيوخهم لكن الذي عليه العمل عند القراء أن



ص -737- يكبروا في قراءة البزي عن ابن كثير خاصة، وبذلك قرأت قال: وحجته في التكبير أنها رواية نقلها عن شيوخه من أهل مكة في الختم يجعلون ذلك زيادة في تعظيم الله -عز وجل- مع التلاوة لكتابه والتبرك بختم وحيه وتنزيله والتنزيه له من السوء لقوله: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}، {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ}، {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا}، {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} قال: وحجته في الابتداء في آخر ختمه بخمس آيات من البقرة أنه اعتمد في ذلك على حديث صحيح مروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سئل: أي: الأعمال أفضل فقال: "الحال المرتحل"؛ يعني: الذي ارتحل من ختمة أتمها ويحل في ختمة أخرى؛ أي: يفرغ من ختمة ويبتدئ بأخرى وعلى ذلك أدرك أهل بلدة مكة قلت: قد سبق الكلام على هذا الخبر وبيان ضعفه فلا يغتر بقول مكي إنه صحيح وأحسن من عبارته عبارة أبي الحسن ابن غلبون قال: فإذا قرأ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} كبر، ثم قرأ فاتحة الكتاب وخمسا من سورة البقرة؛ لأنه يقال أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمى من فعل ذلك الحال المرتحل كما حدثني أبي -رحمه الله- وساق الحديث عن صالح المري عن قتادة عن زرارة عن ابن عباس أن رجلا قام إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله؛ أي: الأعمال أحب إلى الله فقال": "الحال المرتحل، فقال: يا رسول الله وما الحال المرتحل قال: فتح القرآن وختمه صاحب القرآن يضرب من أوله إلى آخره ومن آخره إلى أوله كلما حل ارتحل"، قال: فقيل: إنه -صلى الله عليه وسلم- يعني: بذلك أنه يختم القرآن، ثم يقرأ فاتحة الكتاب وشيئا من البقرة في وقت واحد قلت: أصل الحديث ضعيف كما سبق ثم زاد بعضهم فيه: التفسير غير منسوب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فحملناه على أن بعض رواته المذكورين في سنده فسره على ما وقع له في معناه، وهذا الحديث قد بين فيه أن المفسر له هو النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي زيادة غير معروفة فقد روى الأهوازي هذا التفسير بعينه ولم يقل في الحديث: يا رسول الله، ثم ولو صح هذا الحديث والتفسير لكان معناه الحث على الإكثار من قراءة القرآن والمواظبة عليها، فكلما فرغ من ختمة شرع في أخرى؛ أي: إنه لا يضرب عن القراءة بعد ختمة يفرغ منها بل تكون قراءة القرآن دأبه وديدنه، وفي رواية أخرى أخرجها الأهوازي في كتاب الإيضاح: الحال المرتحل الذي إذا ختم القرآن رجع فيه ثم هذا الفعل من التكبير وقراءة الحمد إلى المفلحون مروي عن ابن كثير نفسه مأخوذ به عن طريق البزي وقنبل على ما سنوضحه، قال أبو الطيب بن غلبون ولم يفعل هذا قنبل ولا غيره من القراء أعني التكبير وهذه الزيادة من أول سورة البقرة في قراءة الختمة سوى البزي وحده قال أبو الفتح فارس بن أحمد: ولا نقول إن هذا سنة ولا أنه لا بد لمن ختم أن يفعله فمن فعله فحسن جميل ومن ترك فلا حرج، قال صاحب التيسير: وهذا يسمى الحال المرتحل، وفي جميع ما قدمناه أحاديث مشهورة يرويها العلماء يؤيد بعضها بعضا تدل على صحة ما فعله ابن كثير قلت: لم يثبت شيء من ذلك وأكثر ما في الأمر أن ابن كثير كان يفعله والحديث المسند في ذلك هو في بيان سند قراءة ابن كثير؛ أي: أخذ ابن كثير عن درباس عن ابن عباس عن أبي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيه وقرأ النبي -صلى الله عليه وسلم- على أبي فالسند المذكور إنما هو لبيان ذلك، ثم قرأ في آخر الحديث وأنه كان إذا قرأ قل أعوذ برب الناس افتتح من الحمد ثم قرأ البقرة إلى: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ثم دعا بدعاء الختم ثم قال: يعني بذلك ابن كثير والله أعلم، وقد قال أبو طالب صاحب أحمد بن حنبل: سألت أحمد إذا قرأ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} يقرأ من البقرة شيئا قال: لا يقرأ فلم يستحب أن يصل ختمه بقراءة شيء ولعله لم يثبت فيه عنده أثر صحيح يصير إليه ذكره شيخنا أبو محمد بن قدامة في كتابه المغنى، وذكر أبو الحسن بن غلبون وغيره رواية عن الأعمش عن إبراهيم قال: كانوا يستحبون إذا ختموا القرآن أن يقرءوا من أوله آيات، قلت: ولكل من المذهبين وجه ظاهر.



ص -738- 1128-

وَقَالَ بِهِ البَزِّيُّ مِنْ آخِرِ الضُّحى وَبَعْضٌ لَهُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ وَصَّلا

اتبع في ذلك ما في كتاب التيسير من نسبة ذلك إلى البزي وحده على ما حكاه أبو الطيب بن غلبون وابنه أبو الحسن، ولا يختص ذلك بالبزي عند جماعة من مصنفي كتب القراءات بل هو مروي عن قنبل كما هو مروي عن البزي لكن شهرته عن البزي أكثر وعنه انتشرت الآثار في ذلك على ما سبق بيانه، وقوله: به؛ أي: بالتكبير بين بهذا البيت أول مواضع التكبير التي أجملها في قوله: قرب الختم فأكثر أهل الأداء على أنه من آخر "والضحي" وهو الصحيح؛ لأن الآثار في ذلك ألفاظها كما سبق مصرحة في بعض الروايات بألم نشرح وذلك آخر "والضحى" وفي بعضها إطلاق لفظ "والضحى"، وهو يحتمل الأول والآخر فيحمل هذا المطلق على ذلك التقييد ويتعين الآخر لذلك قال أبو الحسن ابن غلبون اعلم أن القراء أجمعوا على ترك التكبير من سورة والضحي إلا البزي وحده فإنه روى عن ابن كثير أنه يكبر من خاتمة "والضحى" إلى آخر القرآن، ثم روي عن أبي الحسن اللغوي أجازة قال: أخبرنا ابن مجاهد حدثنا عبد الله بن سليمان حدثنا يعقوب ابن سفيان حدثنا الحميد حدثنا سفيان حدثنا إبراهيم ابن أبي حية أنبأنا حميد عن مجاهد قال: ختمت على ابن عباس بضعا وعشرين ختمة كلها يأمرني أن أكبر من "ألم نشرح"، وبه عن سفيان قال: رأيت حميد الأعرج يقرأ والناس حوله فإذا بلغ والضحى كبر إذا ختم كل سورة حتى يختم، ولم يذكر صاحب التيسير التكبير إلا من آخر "والضحى"، فقول الناظم: وبعض له؛ أي: للبزي وصل التكبير من آخر سورة والليل؛ يعني: من أول "والضحى" فهذا الوجه من زيادة هذه القصيدة وهو قول صاحب الروضة قال: روى البزي التكبير من أول سورة "والضحى" إلى خاتمة "الناس"، ولفظه: الله أكبر تبعه الزينبي عن قنبل بلفظ التكبير وخالفه في الابتداء به فكبر من أول سورة "ألم نشرح" قال: ولم يختلفوا أنه منقطع مع خاتمة الناس، وحكى ابن الفحام وجها عن السوسي أنه يكبر من أول ألم نشرح إلى خاتمة النص والله أعلم، وقال الحافظ أبو العلا: كبر البزي وابن فليح وابن مجاهد وابن الصلت عن قنبل من فاتحة "والضحى" وفواتح ما بعدها من السور إلى سورة الناس، وكبر الباقون من فاتحة "ألم نشرح" إلى سورة الناس قال: وأجمعوا على ترك التكبير بين خاتمة الناس وبين الفاتحة إلا ما رواه فلان عن قنبل زاد بعضهم قراءة أربع آيات من أول البقرة.
قلت: وهكذا حكى الهذلي أن التكبير إلى أول: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} وقال بعضهم: إلى خاتمتها فقول الناظم: إذا كبروا في آخر الناس اتبع فيه قول صاحب التيسير وهو يوهم أنه متفق عليه عند كل من يردف ذلك بقراءة الفاتحة وشيء من أول البقرة بل فيه الاختلاف كما ترى.
1129-

فَإِنْ شِئْتَ فَاقْطَعْ دُونَهُ أَوْ عَلَيْهِ أَوْ صِلِ الْكُلَّ دُونَ القَطْعِ مَعْهُ مُبَسْمِلا

ذكر في هذا البيت حكم التكبير في اتصاله بالسورة الماضية أو بالبسملة التي من السورة الآتية فنقل ثلاثة أوجه كلها متجهة وهي مذكور في التيسير وغيره أحدها أنه يقطع آخر السورة من التكبير؛ أي: لا يصل التكبير بآخر السورة فهذا معنى قوله: فاقطع دونه؛ أي: دون التكبير وهذا اختيار صاحب الروضة والحافظ أبي العلاء، وهو الذي اختاره لما فيه من الفصل بين القرآن وغيره وقال صاحب الروضة: اتفق أصحاب ابن كثير على أن التكبير منفصل من القرآن



ص -739- لا يخلط به، وقال أبو العلاء الحافظ: أجمعوا غير المطوعي والفحام على الوقف في آخر كل سورة، ثم الابتداء بالتكبير متصلا بالتسمية فأما المطوعي والفحام فإنهما خيرا بين الوقف على آخر السورة ثم الابتداء بالتكبير وبين وصل آخر السورة بالتكبير قال: والفصل أولى.
قلت: لما ذكرته وينبني على ذلك أن يختار فصل التكبير أيضا من التسمية على المذهب الأصح وهو أن البسملة في أوائل السور من القرآن على ما قررنا في كتاب البسملة، ووجه ذلك ما ذكره صاحب الروضة من أن التكبير منفصل من القرآن لا يخلط به ولا يكون وصل التكبير بالبسملة أولى إلا على رأي من لا يراها من القرآن في أوائل السور فيكون حكمها وحكم التكبير واحدا كلاهما ذكر الله تعالى مأمور به فاتصاله أولى من قطعه الوجه الثاني أنه يصل التكبير بآخر السورة ويقف عليه ثم يبتدئ بالبسملة وهذا معنى قوله: أو عليه؛ يعني: أو تقطع على التكبير ومأخذ هذا الوجه أن التكبير إنما شرع في أواخر السور فهو من توابع السورة الماضية؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما كبر لما تليت عليه سورة "والضحى"، فرأى صاحب هذا الوجه أن وصله بآخر السورة والقطع عليه أولى؛ لتبين الغرض بذلك، وهذا لا يتجه إلا تعريفا على القول بأن أول مواضع التكبير آخر الضحى، فإن قلنا هو مشروع من أولها فهو للسورة الآتية فيتجه القول الأول، واختار صاحب التيسير هذا الوجه وبدأ به فيه وهو وصل التكبير بآخر السورة لكنه خير بين الوقوف عليه ووصله بالبسملة قال: والأحاديث الواردة عن المكيين بالتكبير دالة عليه؛ لأن فيها "مع" وهي تدل عن الصحبة والاجتماع، وقال في غير التيسير على ما نقله الشيخ في شرحه: الحذاق من أهل الأداء يستحبون في مذهب البزي أن يوصل التكبير بآخر السورة من غير قطع ولا سكت على آخرها دونه ويقطع عليه ثم يقرأ بعد ذلك "بسم الله الرحمن الرحيم" موصلا بالسورة الثانية إلى آخر القرآن، ومنع مكي من هذا الوجه فقال في التبصرة: ولا يجوز أن تقف على التكبير دون أن تصل بالبسملة وقال في الكشف: ليس لك أن تصل التكبير بآخر السورة وتقف عليه الوجه الثالث أن يوصف التكبير بآخر السورة وبالبسملة وهذا هو المراد من قوله: أوصل الكل، واختار هذا الوجه أبو الطيب ابن غلبون وابنه أبو الحسن ومكي مع تجويز غيره، قال أبو الطيب وهو المشهور من هذه الوجوه وبه قرأت وبه آخذ، وقال ابنه أبو الحسن: واعلم أن القارئ إذا أراد التكبير فإنه يكبر مع فراغه من آخر السورة من غير قطع ولا سكت في وصله ولكنه يصل آخر السور بالتكبير، ثم يقرأ: "بسم الله الرحمن الرحيم" وهو الأشهر الجيد إذ لم يذكر في شيء من الحديث فصل ولا سكت، بل ذكر في حديث ابن عباس مع وهي تدل على الصحبة والاجتماع.
قلتُ: ولا ضرورة إلى هذه المضايقة فالمعية حاصلة وإن قطع على آخر السورة بوقفة يسيرة فلا يراد بالمعية في مثل ذلك إلا الاتصال المعروف في القراءة كما أن وقوف القارئ على مواضع الوقف من أواخر الآي وغيرها لا يخرجه ذلك عن اتصال قراءته بعضها ببعض، فإذا ليس الأولى إلا الوجه الأول وهو فصل السورة من التكبير لما ذكرناه وفصل التكبير من البسملة مبني أيضا على ما ذكرناه من الخلاف في البسملة قال صاحب التيسير: ولا يجوز القطع على التسمية إذا وصلت بالتكبير وهذا صحيح وقد مضى شرح ذلك في آخر باب البسملة وهو قوله: ومهما تصلها مع أواخر سورة فلا تقفن فلا فرق بين وصلها بآخر السورة أو بالتكبير أما إذا لم تصلها بالتكبير بل وقفت عليه فإنه يجوز لك أن تقف على البسملة أيضا كما إذا وقفت على آخر سورة وقد وقع لي في التكبير ثلاث احتمالات عليها تخرج هذه الوجوه كلها أحدها أن التكبير من توابع السورة الماضية فعلى هذا



ص -740- وصله بها أولى، الثاني: أنه من مقدمات السورة الآتية فعلى هذا قطعه من الأولى ووصله بالثانية أولى، والثالث أنه ذكر مشروع بين كل سورتين من هذه السور فعلى هذا يجوز وصله بهما وقطعه عنهما فمن كبر من أول والضحى لحظ الوجه الثاني ومن كبر من آخرها لحظ الأول وعلى هذا يبين الخلاف في انتهاء التكبير إلى أول الناس أو آخرها، فإن قلت فما وجه من كبر من أول الضحى وكبر آخر الناس.
قلت: كأنه أعطى لسورة الناس حكم ما قبلها من السور؛ إذ كل سورة منها بين التكبيرتين وليس التكبير في آخر الناس لأجل أول الفاتحة؛ لأن الختمة قد انقضت ولو كان للفاتحة لشرع التكبير بين الفاتحة والبقرة ولم يفعله هؤلاء؛ لأن التكبير للختم لا لافتتاح أول القرآن والله أعلم.
وقوله: معه مبسملا؛ أي: مبسملا مع التكبير فنصب مبسملا على الحال من فاعل صل الكل.
1130-

وَمَا قَبْلَهُ مِنْ سَاكِنٍ أَوْ مُنَوَّنٍ فَلِلسَّاكِنَيْنِ اكْسِرْهُ فِي الْوَصْلِ مُرْسَلا

المذكور في هذا البيت مفرع على قولنا إن التكبير يوصل بآخر السورة وهو معنى قوله: في الوصل ومعنى مرسلا مطلقا؛ أي: الحكم في الكسر مطلقا في النوعين أما إذا قلنا لا يوصل وهو الوجه المختار كما سبق فلا حاجة إلى ما في هذا البيت والذي بعده فإن الكسر يبتديء بفتح همزته وكذا إن قلنا إن التهليل يشرع قبل التكبير ووصلناه بآخر السورة فلا يتغير أمر مما يتعلق بأواخر السور؛ لأن أول التهليل حرف متحرك وأول التكبير همز وصل قبل ساكن فهمزة الوصل تسقط في الدرج فيبقى الساكن فينظر في أواخر السور وهي على أربعة أقسام ما آخره متحرك أو هاء ضمير، وهذان القسمان يأتي ذكرهما في البيت الآتي، وذكر في هذا البيت قسمين ما آخره ساكن وما آخره تنوين فالذي آخره ساكن: الضحى، ألم نشرح، اقرأ، والذي آخره تنوين: العاديات، القارعة، الهمزة، الفيل، قريش، النصر، تبت، الإخلاص؛ فحكم هذين القسمين كسر ما قبل التكبير؛ لالتقاء الساكنين وهذان القسمان كقسم واحد؛ لاتحاد حكمهما ولأن سكون التنوين كسكون غيره، وإنما أراد أن ينص على ساكن مرسوم حرفا في الخط وساكن يثبت لفظ لا خطا وهو التنوين ونزل تغيير أواخر هذه السورة لأجل ساكن أول التكبير منزلة تغييره إذا وصل آخر سورة بأول أخرى على قراءة حمزة فإن تنوين آخر: "والعاديات" يكسر وكذا ورش إذا وصل ويفتح آخر الضحى ويكسر آخر "اقرأ" بإلقاء حركة همزة ما بعدهما عليهما والله أعلم.
1131-

وَأَدْرِجْ عَلَى إِعْرَابِهِ مَا سِوَاهُما وَلا تَصِلَنْ هَاءَ الضَّمِيرِ لِتُوصَلا

يعني: ما سوى الساكن والمنون وهو المحرز أنزله على إعرابه؛ أي: وصله على حركته سواء كانت فتحة كآخر: التين، والماعون، والفلق، أو كسرة كآخر: القدر، والتكاثر، والعصر، والكافرين، والناس، أو ضمة كآخر: الكوثر، ولم يكن، والزلزلة، ولكن هاتان السورتان آخرهما هاء الضمير فلا يصلها؛ لأجل الساكن بعدهما على ما تمهد في شرح قوله: ولم يصلوها مضمر قبل ساكن فإذا لم تصلها وصلت ولم تقطع؛ لأن ذلك يدل على علمك وفضلك، وإن وصلتها قطعت؛ لدلالة ذلك على الجهل، فما أحلى ما وافقه، ولا تصلن لتوصلا والنون في ولا تصلن للتأكيد قوله: وأدرِجْ من



ص -741- قولهم: أدرجت الكتاب؛ أي: طويته وأدرجت الدلو إدراجا إذا متحتها ومتح من باب نفع يقال: متحت الدلو إذا استخرجتها برفق فكأن القارئ إذا قرأ كلمة وتعداها إلى غيرها قد أدرجها وطواها، وقوله: على إعرابه؛ أي: حركة إعرابه وفي حركات أواخر السور المذكورة ما هو حركة إعراب كآخر القدر، والتكاثر، والعصر، والماعون، والكوثر، والناس، وباقيها حركة بناء كالتين، ولم يكن، والزلزلة، والكافرين، والفلق، فلم يرد بقوله: إعرابه إلا مجرد الحركة وكان يغنيه عن ذلك أن يقول: وأدرج على تحريكه ما سواهما.
1132-

وَقُلْ لَفْظُهُ اللَّهُ أَكْبَرْ وَقَبْلَهُ لأَحْمَدَ زَادَ ابْنُ الْحُبَابِ فَهَيْللا

أي: لفظ التكبير وسكن الراء من أكبر حكاية للفظ المكبر؛ لأنه واقف عليه فهذا هو المختار في لفظة التكبير، قال ابن غلبون: والتكبير اليوم بمكة الله أكبر لا غير كما ذكرنا في الأحاديث التي تقدمت وهو مشهور في رواية البغي وحده، وقال مكي: الذي قرأت وهو المأخوذ به في الأمصار الله أكبر لا غير وقوله: وقبله؛ يعني: قبل التكبير لأحمد؛ يعني: البزي زاد بن الحباب وهو أبو علي الحسن ابن الحباب بن مخلد الدقاق قرأ على البزي، وروي عنه التهليل قبل التكبير وقوله: فهيللا؛ أي: فقال: لا إله إلا الله، والأصل أن يقال فهللا وأنما الياء بدل من أحد حرفي التضعيف نحو قولهم: تطنيت يقال: قد أكثرت من الهيللة أبدلت الياء من عين الكلمة؛ لتكرير اللامات حكى أبو عمرو الداني في كتاب التيسير عن الحسن بن الحباب قال: سألت البزي عن التكبير كيف هو فقال لي: لا إله إلا الله والله أكبر، قال الداني وابن الحباب: هذا من الإتقان والضبط وصدق اللهجة بمكان لا يجهله أحد من علماء هذه الصنعة، وبهذا قرأت على أبي الفتح وقرأت على غيره بما تقدم، وحكي عن ابن الحباب أيضا أبو طاهر ابن أبي هاشم ذكره الحافظ أبو العلاء فقال: لا إله إلا الله والله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم.
1133-

وَقيل بِهذَا عَنْ أَبِي الْفَتْحِ فَارِسٍ وَعَنْ قُنْبُلْ بَعْضٌ بِتَكْبِيرِهِ تَلا

أي: بما نقله ابن الحباب وهو معنى قول الداني: وبهذا قرأت على أبي الفتح، وقال في غير التيسير: حدثنا أبو الفتح شيخنا حدثنا عبد الباقي بن الحسن حدثنا أحمد بن صالح عن ابن الحباب عنهم؛ يعني: بالتهليل قال أبو عمرو: وبذلك قرأت على فارس أعني بالتهليل والتكبير وأبو الفتح هذا هو فارس بن أحمد بن موسى بن عمران الضرير الحمصي سكن مصر قال الداني في تاريخ الفراء أخذ القراءة عرضا وسماعا عن غير واحد من أصحاب ابن مجاهد وابن شنبوذ وغيرهم، ثم قال: لم يلقَ مثله في حفظه وضبطه وحسن تأديته وفهمه بعلم صناعته واتساع روايته مع ظهور نسكه وفضله وصدق لهجته وسمعته يقول ولدت بحمص سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مائة، وتوفي -رحمه الله- بمصر في ما بلغني سنة إحدى وأربع مائة وقد ذكره أبو عمرو الداني أيضا في أرجوزته التي نظمها في علم القراءة فقال:

ممن أخذت عنهم ففارسوا وهو الضرير الحاذق الممارس

أضبط من لقيت للحروف وللصحيح السائر المعروف



ص -742- وجميع ما ذكرناه مأخوذ به في رواية البزي، أما قنبل فلم يذكر له صاحب التيسير تكبيرا، وقال في غيره: وقد قرأت أيضا لقنبل بالتكبير وحده من غير طريق ابن مجاهد قال: وبغير تكبير آخذ في مذهبه فقول الشاطبي: وعن قنبل بعض بتكبيره من زيادات هذه القصيدة على ما في التيسير والهاء في تكبيره عائد على البزي؛ أي: وبعض الشيوخ تلا عن قنبل بمثل تكبير البزي، ويحتمل أن تكون الهاء عائدة على قنبل أو على بعض، ولكن قوة المعنى على ما ذكرناه أولا وقد حكى صاحب الروضة التهليل أيضا عن قنبل فقال: وروى قنبل في غير رواية الزينبي عنه التهليل والتكبير من أول سورة ألم نشرح إلى خاتمة الناس ولفظه لا إله إلا الله والله أكبر وكذلك حكى الحافظ أبو العلاء التهليل والتكبير للبزي ولقنبل وحكى الهذلي صاحب الكامل رواية عن قنبل في تقديم التسمية على التكبير وهذا مما يقوي أن التكبير للسورة الآتية لا للسابقة وإن كان وجها بعيدا والله أعلم.





=======






















إبراز المعاني من حرز الأماني

ص -743- باب: مخارج الحروف وصفاتها التي يحتاج القارئ إليها
هذا الباب من زيادات هذه القصيدة على ما في التيسير ولكن ذكره أبو عمرو الداني في آخر كتاب الإيجاز وعلى ما فيه نظم الشاطبي رحمهما الله تعالى ولا تعلق له بعلم القراءات إلا من جهة التجويد وهو علم مخارج الحروف مقدمة له وهي جمع مخرج وهو موضع خروج الحرف من الفم وهي مختلفة على ما يأتي بيانه قال مكي: اللحن لحنان جلي وخفي، فالجلي ترك الإعراب والخفي ترك إعطاء الحروف حقوقها وذلك إنما يكون بإخراجها من غير مخارجها وإدراجها في غير مدراجها وتحليتها بغير صفاتها الواردجة على ألسنة القراء الذين خصهم الله تعالى بنقل شريعة القراءة وإقامتهم لضبط ما اشتمل عليه من الألفاظ، فالقراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول ولا عذر للجاهل؛ لأن فرضه السؤال.
1134-

وَهَاكَ مَوَازِينُ الْحُرُوفِ وَمَا حَكَى جَهَابِذَةُ النُّقَّادِ فِيها مُحَصَّلا

هاك؛ أي: خذها اسم فعل والكاف للخطاب والموازين جمع ميزان وموازين الحروف مخارجها سماها بذلك؛ لأنها إذا أخرجت منها لم يشارك صوتها شيء من غيرها فهي تميزها وتعرف مقدارها كما يفعل الميزان وقوله: وما حكى في موضع نصب عطفا على موازين؛ أي: وخذ الذي حكى فيها الجهابذة من التعبير عنها واستخراج صفاتها والجهابذة جمع جهبذ وهو الحاذق في النقد والنقاد جمع ناقد يقال: نقدت الدراهم إذا استخرجت منها الزيف وكنى بجهابذة النقاد عن الحاذقين بهذا العلم المتضلعين منه ومحصلا بفتح الصاد حال من مفعول حكى؛ أي: والذي حكاه العلماء محصلا وحسنت استعارة لفظ النقاد والجهابذة بعد ذكر الموازين وللشيخ -رحمه الله- في علم التجويد قصيدة يقول:

للحرف ميزان فلا تك طاغيا فيه ولا تك مخسر الميزان

1135-

وَلا رِيَبةٌ فِي عَيْنِهِنَّ وَلا رِبا وَعِنْدَ صَلِيلِ الزَّيْفِ يَصْدُقُ الاِبْتِلا

في عينهن؛ أي: في نفسهن والريبة الشك والربا الزيادة؛ أي: لا شك في أنهن متعينات مخارج وصفات يتميز بها بعضها من بعض يدرك ذلك بالحس فهو ضروري لا شك فيه ولا يمكن الزيادة في التعريف بها بما يكذبه الحس وكذا النقصان وإنما ترك ذكره لظهوره فإن لفظ الزيادة يدل عليه فهو من باب قوله تعالى: تقيكم الحر؛ أي: والبرد وإلا فلا مناسبة بين قوله: ولا ريبة ولا ربا إلا المجانسة اللفظية؛ يعني: أنه أتى بها خالصة العبارة في الدلالة على المقصود ثم تمم البيت بما معناه أن هذا الذي ادعيته لا يخفى؛ لأن الزيف صليله شاهد عليه وها هي معروضة عليك؛ أي: عند نطق الناطق بالحرف يبين للناقد العارف بالمخارج والصفات أن نطقه به على صحة أو فيه خلل فصوت المختل كصليل الزيف والصليل الصوت والزيف مصدر زاف الدرهم إذا رديء ويقال أيضا درهم زائف وزيف؛ أي: رديء وصفوه بالمصدر وغلب ذلك عليه نحو: رجل عدل، فيجوز أن يكون الزيف في البيت بمعنى الزائف ويجوز أن يكون المصدر والابتلاء الاختبار؛ أي: الناقد إذا اختبره وهما ينقده عند الريبة فيه فيظهر فيه صوت



ص -744- الرداءة صدق اختباره والاستعارات التي في هذا البيت أيضا تابعة للمجازاة السابقة فهو من باب المجاز المرشح وله نظائر.
1136-

وَلا بُدَّ فِي تَعْيِينِهِنَّ مِنَ الأُلَى عُنُوا بِالْمَعانِي عَامِلينَ وَقُوَّلا

أي: لا بد لنا في حصول تعيينهن والتعريف بهن من نقل أقوال الذين اعتنوا بالمعاني فاستنبطوها وأحكموها؛ أي: إني أذكر ما ذكر أئمة العلماء بذلك، فالأولى بمعنى الذين وعاملين حال منهم، وقولا عطف عليه وهو جمع قائل؛ أي: قائلها عاملين بها والضمير في تعيينهن قال الشيخ: للموازيين وكذا ولا ريبة في عينهن ويجوز أن يكون للحروف على معنى ولا بد في تعيين ما تتميز به من المخارج والصفات من الاستعانة بعبارة المتقدمين وإن كان الحس يشهد بذلك.
1137-

فَابْدَأْ مِنْها بِالْمَخَارِجِ مُرْدِفًا لَهُنَّ بِمَشْهُورِ الصِّفَاتِ مُفَصِّلا

منها؛ أي: من المعاني إن كان أراد بقوله: عنوا بالمعاني المخارج والصفات، وإن كان أراد مطلق المعاني فالهاء في منها عائدة على الحروف وهذا مما يقوي أن الضمير في تعيينهن للحروف وفي قوله: وما هاك موازين الحروف ويكون منها على حذف مضاف؛ أي: في أحكام الحروف وقوله: مردفا لهن للمخارج بذكر ما اشتهر من صفات الحروف مفصلا ذلك؛ أي: مبينا ثم شرع في ذكر المخارج وقال:
1138-

ثَلاثٌ بِأَقْصَى الْحَلْقِ وَاثْنانِ وَسْطَهُ وَحَرْفَانِ مِنْها أَوَّلَ الْحَلْقِ جُمِّلا

أي: منها ثلاثة أحرف حلت بأقصى الحلق وحرفان في وسطه وحرفان أوله وجملا نعت لحرفان فالألف ضمير التثنية ذكر في هذا البيت سبعة أحرف وهي المسماة حروف الحلق وإنما قال: ثلاث ولم يقل ثلاثة ومراده ثلاثة أحرف؛ لأن الأحرف عبارة عن حروف المعجم وتلك يجوز معاملة ألفاظها بالتأنيث والتذكير فقال: ثلاث بلفظ التأنيث العددي اعتبارا لذلك المعنى ثم قال واثنان فاعتبر اللفظ فذكر وقد تقدم الكلام في ذلك أيضا في شرح قوله في الأصول: غير عشر ليعدلا، ومثله قول عمر بن أبي ربيعة: ثلاث شخوص كاعبات ومعصرا أنث عدد شخوص وهو لفظ مذكر لما أراد به نساء ذكر سيبويه -رحمه الله- أن مخارج الحروف ستة عشر مخرجا وهي دائرة على ثلاثة الحلق والفم والشفة ويقال الحلق واللسان والشفتان والمعنى واحد وكل ذلك على التقريب وإلحاق ما اشتد تقاربه بمقاربه وجعله معه من مخرج واحد والتحقيق أن كل حرف له مخرج يخالف الآخر باعتبار الصفات وإلا كان إياه فللحلق ثلاثة مخارج أقصاه وأوسطه وأدناه إلى الفم وهو المراد بقوله: أول الحلق ولهذا سميت هذه الحروف السبعة لحروف الحلق إضافة لها إلى مخرجها فالثلاثة التي لأقصى الحلق الهمزة والألف والهاء وهي على هذا الترتيب فالهمزة أقصى الحروف مخرجا تكاد تخرج من الصدر والحلق فإن اللذان من أوسط الحلق هما العين والحاء



ص -745- المهملتان والحرفان اللذان من أدنى الحلق هما الغين والخاء المعجمتان ويتبين لك مخرج كل حرف بأن تنطق بالحرف ساكنا وقبله همزة وصل، ثم شرع في الحروف التي تخرج من الفم وفيه عشرة مخارج لثمانية عشر حرفا في أربعة مواضع من اللسان أقصاه ووسطه وحافته وطرفه ففي الأقصى مخرجان وفي الوسط واحد وفي الحافة مخرجان وفي الطرف خمسة مخارج فقال:
1139-

وَحَرْفٌ لَهُ أَقْصَى اللِّسَانِ وَفَوْقَهْ مِنَ الْحَنَكِ احْفَظْهُ وَحَرْفٌ بِأَسْفَلا

أي: ومنها حرف مخرجه أقصى اللسان وهو الذي يلي أول الحلق فقوله: "وفوقه"؛ أي: وما فوقه في الحنك، فحذف الموصول ضرورة، وهذا الحرف هو القاف ثم قال: وحرف بأسفلا؛ أي: ومنها حرف بأسفل الحنك مع كونه في أقصى اللسان وهو الكاف يقال لها أقصى اللسان وما تحته من الحنك ومنهم من يقول وما فوقه من الحنك مما يلي مخرج القاف قال الشيخ أبو عمرو -رحمه الله: والأمر في ذلك قريب؛ لأنه قد يوجد على كل واحد من الأمرين بحسب اختلاف الأشخاص مع سلامة الذوق فعبر كل واحد على حسب وجدانه.
1140-

وَوَسْطُهُمَا مِنْهُ ثَلاثٌ وَحَافَةُ الْـ ـلِسَانِ فَأَقْصَاهَا لِحَرْفٍ تَطَوَّلا

أي: وسط اللسان والحنك منه يخرج ثلاثة أحرف وهي الجيم والشين المعجمة والياء المثناة من تحت فقوله: منه ثلاث جملة ابتدائية هي خبر وسطها ثم ابتدأ قائلا: وحافة اللسان لحرف تطولا، وقوله: فأقصاها بدل من حافة اللسان على زيادة الفاء ويعني بذلك أولا حافة اللسان كما ذكر الأئمة والحرف الذي يطول هو الضاد المعجمة؛ لأنه استطال حتى اتصل بمخرج اللام على ما سيأتي بيانه وهو يخرج من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس فهذا معنى قوله: لحرف تطولا إلى ما يلي الأضراس على ما تراه في البيت الآخر وهو.
1141-

إِلى مَا يَلِي الأَضْرَاسَ وَهْوَ لَدَيْهِمَا يَعِزُّ وَبِاليُمْنَى يَكُونُ مُقَلَّلًا

أي: تطول إلى الموضع الذي يلي الأضراس وقوله: وهو؛ يعني: أيضا ولديهما؛ أي: لدى الجهتين اليمنى واليسرى فاضمر ما لم يجر له ذكر؛ لأن في قوة الكلام دليلا عليه، وهو قوله: ما يلي الأضراس؛ فإن الأضراس موجودة في الجانبين وقوله: يعز؛ أي: يقل ويضعف خروجها منهما ولهذا قال سيبويه إنها تتكلف من الجانبين بل من الناس من يخرجها من الجانب الأيمن وهو قليل وهو معنى قوله: وباليمنى؛ أي: وبالجهة اليمنى يكون مقللا والأكثر على إخراجها من الجانب الأيسر على حسب ما يسهل على المتكلم وقيل: إن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يخرجها من الجانبين ومنهم من يجعل مخرج الضاد قبل مخرج الجيم والشين والياء.
1142-

وَحَرْفٌ بِأَدْنَاهَا إِلى مُنْتَهاهُ قَدْ يَلِي الْحَنَكَ الأَعْلى وَدُونَهُ ذُو وِلا



ص -746- أي: بأدنى حافة اللسان إلى منتها طرف اللسان بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى ومنهم من يزيد على هذا فيقول فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية وهو حرف اللام، قال الشيخ أبو عمرو: وكان يغني أن يقال: فويق الثنايا إلا أن سيبويه ذكر ذلك فمن أجل ذلك عددوا وإلا فليس في الحقيقة فوق؛ لأن مخرج النون يلي مخرجها وهي فوق الثنايا فكذلك هذا على أن الناطق باللام يبسط جوانب طرفي لسانه مما فوق الضاحك إلى الضاحك الآخر وإن كان المخرج في الحقيقة ليس إلا فوق الثنايا وإنما ذاك يأتي لما فيها من شبه الشدة ودخول المخرج في ظهر اللسان، فيبسط الجانبان لذلك فلذلك عدد الضاحك والناب والرباعية والثنية، وقوله: ودونه بقصر الهاء؛ أي: دون هذا الحرف وهو حرف اللام حرف ذو ولاء؛ أي: متابعة له؛ يعني: النون مخرجها مما بين طرف اللسان وفويق الثنايا وهي تخرج قليلا من مخرج اللام، وقال مكي: ومن أدنى طرفه وما يليه في الحنك الأعلى تخرج النون والتنوين ومن ذلك الأدنى داخلا إلى ظهر اللسان قليلا تخرج الراء، ثم ذكر مخرج الراء فقال:
1143-

وَحَرْفٌ يُدَانِيهِ إِلَى الظَّهْرِ مَدْخَلٌ وَكَمْ حَاذِقٍ مَعْ سِيبَويْهِ بِهِ اجْتَلا

يعني: يداني النون وهو الراء يخرج من مخرجها، لكنه أدخل في ظهر اللسان قليلا من مخرج النون؛ لانحرافه إلى اللام، فهذا معنى قوله: إلى الظهر مدخل؛ أي: وحرف مدخل إلى الظهر يدانيه، وأورد الشيخ أبو عمرو أن هذه العبارة تقتضي أن يكون مخرج الراء قبل النون؛ لأن الراء أدخل منها إلى ظهر اللسان، وأجاب بأن المخرج بعد مخرج النون وإنما يشاركه ذلك لا على أنه يستقل به ألا ترى أنك إذا نطقت بالنون والراء ساكنتين وجدت طرف اللسان عند النطق بالراء فيما هو بعد مخرج النون هذا هو الذي يجده المستقيم الطبع قال وقد يمكن إخراج الراء مما هو داخل من مخرج النون أو من مخرجها ولكن يتكلف لا على حسب إجراء ذلك على الطبع المستقيم والكلام في المخارج إنما هو على حسب اشتقاق الطبع لا على التكلف، والهاء في به يعود على الظهر؛ أي: إن سيبويه وجماعة من الحذاق يجعلون الراء من ظهر اللسان وأنهم ثم اجتلوه؛ أي: كشفوه، هكذا قال الشيخ، ويحتمل أن تكون الهاء عائدة على المذكور؛ أي: وكم من حاذق في صناعة العربية؛ أي: ماهر بها اجتلا هذا الحرف بهذا المخرج المذكور وهو نص ما في كتاب سيبويه الذي هو إمام نحاة البصريين قال -رحمه الله: ومن مخرج النون غير أنه أدخل في ظهر اللسان قليلا؛ لانحرافه إلى اللام مخرج الراء زاد غيره وقال: غير أن في الراء تكريرا وكذا ما ذكرناه في اللام والنون هو قول سيبويه ثم قال:
1144-

وَمِنْ طَرَفٍ هُنَّ الثَّلاثُ لِقُطْرُبٍ وَيَحْيى مَعَ الْجَرْمِيِّ مَعْناهُ قُوِّلا

قال أبو عمرو الداني: وقال الفراء: وقطرب والجرمي وابن كيسان مخارج الحروف أربعة عشر مخرجا فجعلوا اللام والراء والنون من مخرج واحد وهو طرف اللسان قلت: أما قطرب فهو أبو علي محمد بن المستنير البصري أحد العلماء بالنحو واللغة أخذ عن سيبويه وغيره، ويقال: إن سيبويه لقبه قطربا لمباكرته إياه في الأسحار قال له يوما: ما أنت إلا قطرب ليل والقطرب دويبة تدب ولا تفتر، ومنه حديث ابن مسعود: لا أعرفن أحدكم جيفة ليل قطرب نهار، قال أبو عبيد: يقال إن القطرب دويبة لا تستريح نهارها سعيا، وحكى ثعلب أن القطرب الخفيف وكان



ص -747- محمد بن المستنير يبكر إلى سيبويه فيفتح سيبويه بابه فيجده هنالك فيقول له: ما أنت إلا قطرب ليل، فلقب بذلك، أما يحيى فهو أبو زكريا بن يحيى بن زياد الفراء إمام نحاة الكوفة بعد الكسائي ذكر الخطيب أنه كان ثقة إماما وأنه كان يقال: الفراء أمير المؤمنين في النحو، أما الجرمي فهو أبو عمرو صالح بن إسحاق أحد نحاة البصرة قرأ على الأخفش وأخذ اللغة عن أبي عبيدة وأبي زيد والأصمعي وكان ذا دين وورع فهذا معنى قوله: ومن طرف اللسان، والثلاث بدل من قوله: هن أو عطف بيان كقولك في الدار هو زيد أضمرته أولا اعتمادا على أن السامع يعرفه، ثم اعترضك شك في معرفته به فأتيت بما يكشفه ويوضحه ويؤكده ومعنى لقطرب؛ أي: في قوله: ومذهبه فهي لام البيان نحو "هيت لك" ثم ابتدأ قوله: ويحيى وفي قولا ضمير تثنية راجع إلى يحيى والجرمي؛ أي: نسب إليهما قول بمعنى ما ذكر قطرب، وقال صاحب العين: هذه الحروف الثلاثة ذلقية تبتدئ من ذلق اللسان وهو تحديد طرفه.
1145-

وَمِنْهُ وَمِنْ عُلْيَا الثَّنَايَا ثَلاثَةٌ وَمِنْهُ وَمِنْ أَطْرَافِها مِثْلُها انْجَلى

يعني: ومن طرف اللسان ومن الثنايا العليا؛ يعني: بينهما ثلاثة أحرف وهي الطاء والدال المهملتان والتاء المثناة من فوق وعبارة سيبويه مما بين طرف اللسان وأصول الثنايا زاد غيره: مصعدا إلى الحنك، وقال الشيخ أبو عمرو: وقوله: وأصول الثنايا ليس بحتم بل قد يكون ذلك من أصول الثنايا، ويكون مما بعد أصولها قليلا مع سلامة الطبع من التكليف ثم قال: ومنه -يعني: ومن طرف اللسان- ومن أطرافها -أي: أطراف الثنايا المذكورة- أي: مما بينهما وهي عبارة سيبويه مثلها؛ أي: ثلاثة أحرف وهي الظاء والذال المعجمتان والثاء المثلثة فهي مثلها في العدية، وقال مكي ومن طرفه وما يليه من أطراف الثنايا علياها وسفلاها تخرج الظاء والذال والثاء ومعنى انجلا انكشف؛ أي: انجلا المذكور بمعنى بأن كل فريق من هذه الستة وظهر مخرجه، ويجوز أن يكون الضمير في انجلا عائدا على لفظ مثل؛ لأنه مفرد وإن عنى به ثلاثة؛ أي: انجلا مثلها من المخرج المذكور وقوله: عليا الثنايا من باب إضافة الصفة إلى موصوفها والأصل الثنايا العليا، ولم يذكر سيبويه في عبارته العليا وهي مراده وهذه إضافة صحيحة؛ لأن الثنايا قسمان سفلى وعليا، فميز بالإضافة نحو علماء القوم وفضلاء الرجال وليس في كل جهة إلا ثنيتان فالمجموع أربع، وجوز التعبير عن المثنى بالجمع تخفيفا وهو هنا أولى من غيره لا من الإلباس، ونظيره قولهم: هو عظيم المناكب وغليظ الحواجب وشديد المرافق وضخم المناخر.
1146-

وَمِنْهُ وَمِنْ بَيْنِ الثنَايَا ثَلاثَةٌ وَحَرْفٌ مِنْ اطْرَافِ الثَّنَايا هِيَ الْعُلا

أي: ومن طرف اللسان ومن بين الثنايا لا أصولها ولا أطرافها ثلاثة أخرى وهي الصاد والسين المهملتان والزاي، وقدم سيبويه ذكر هذه الثلاثة التي قبلها وعبارته فيها ومما بين طرف اللسان وفوق الثنايا مخارج الزاي والسين والصاد، قال الشيخ: وعبر عن ذلك غيره فقال: من طرف اللسان وفويق الثنايا السفلى كذا قال، وسيبويه لم يصف الثنايا في عبارته في جميع هذه المواضع فلم يقل العليا ولا السفلى، وقال الشيخ أبو عمرو: قولهم الثنايا في هذه المواضع إنما يعنون الثنايا العليا وليس ثم إلا ثنيتان، وإنما عبروا عنها بلفظ الجمع؛ لأن اللفظ به أخف مع كونه معلوما وإلا فالقياس



ص -748- أن يقال وأطراف الثنيتين، وقال في الزاي وأختيها: هي تفارق مخرج الطاء وأختيها؛ لأنها بعد أصول الثنايا أو بعد ما بعد أصولها، وتفارق الطاء وأختيها؛ لأنها قبل أطراف الثنايا، وقال غيره: هي من حانته قليلا من مخرج الظاء بحيث لا تلصق اللسان بالثنايا عند إخراجها ثم بين الناظم مخرج الفاء بقوله:
بيان للثنايا والعلا جمع العليا وبتمام هذا البيت تم الكلام في المخارج المتعلقة بالفم وبقي مخرج الشفة وفيها مخرجان لأربعة أحرف ثم تمم الكلام في مخرج الفاء فقال:

ومنه من بين الثنايا ثلاثة وحرف من أطراف الثنايا هي العلا

1147-

وَمِنْ بَاطِنِ السُّفْلَى مِنَ الشَّفَتَيْنِ قُلْ وَلِلشَّفَتَيْنِ اجْعَلْ ثَلاثًا لِتَعْدِلا

أي: مخرج الفاء من باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا هذه عبارة سيبويه وبقي ثلاثة أحرف وهي الواو والفاء الموحدة والميم مخرجها مما بين الشفتين فهذه حروف الشفة وحروف الحلق هي السبعة المبتدأ بذكرها والبواقي حروف الفم والفاء مشتركة بين الثنايا والشفة فمن حيث تعلقها بالثنايا فارقت حروف الشفة ومن حيث لا تعلق لها باللسان فارقت حروف الفم فالتحقيق أنها قسم برأسها ونصب لتعدلا بلام التعليل فإن كانت فتعدلا يكون نصبها بالفاء في جواب الأمر.
1148-

وَفِي أَوَّلِ مِنْ كِلْمِ بَيْتَيْنِ جَمْعُها سِوَى أَرْبَعٍ فِيهِنَّ كِلْمَةٌ أَوّلا

لما أجمل ذكر الحروف عند مخارجها أتى بها مضمنة في أوائل كلمات بيتين على ترتيب ما بينه من المخارج فقوله: وفي أول؛ أي: في حروف أول وأول جمع أولى ووجه هذا التأنيث ما سبق ذكره في قوله: ثلاث بأقصى الحلق؛ لأنه نعت لحروف والحروف عبارة عن أسماء حروف التهجي وتلك الأسماء يجوز تأنيثها فكأنه قال وفي أوائل من كلمات بيتين جمع هذه الحروف ذوات هذه المخارج فقوله: كلم بكسر الكاف وسكون اللام هو تخفيف كلم بفتح الكاف وكسر اللام مثل قولهم فخذ في فخذ وكبد في كبد ثم قال سوى أربع؛ أي: سوى أربع أحرف فإنك لا تأخذهما من أوائل الكلمات وإنما تأخذها من مجموع الكلمة الأولى من البيت الأول من البيتين المذكورين، وقوله: فيهن؛ أي: في جمعهن جمع كلمة أول البيتين فأولا مخفوض بإضافة كلمة إليه لكنه لا ينصرف هكذا قال الشيخ وهو مشكل فإن الكلمة حينئذ تبقى مجهولة في البيت الأول فما من كلمة فيه إلا ويصدق عليها هذه العبارة فالوجه أن يكون كلمة منونة وأولا ظرف ألقيت حركة همزته على التنوين فهذا أولى لتتعين الكلمة الأولى من البيتين لجميع الحروف الأربعة على ما نبينه، ثم ذكر البيتين فقال:
1149-

"أَهَاعَ" "حَـ"ـشَا "غَـ"ـاوٍ "خَـ"ـلا "قَـ"ـارِئٍ "كَـ"ـمَا "جَـ"ـرَى "شَـ"ـرْطُ "يُـ"ـسْرَى "ضَـ"ـارِعٍ "لَـ"ـاحَ "نَـ"ـوْفَلا

أهاع هي الكلمة المضمنة أربعة أحرف من حروف الحلق وهي الثلاثة التي بأقصى الحلق وواحد من وسطه والثاني أول حشا والحرفان اللذان من أول الحلق هما أول غاو خلا وهكذا أخذ الباقي من الحروف من أوائل الكلمات إلى آخر البيت وهو النون الذي عبر عنه بقوله: ودونه ذو ولا وكان الوجه تقديم ذكر الألف على الهاء



ص -749- عند ذكر الحروف الحلقية فقال: الهمزة والألف والهاء كذلك عبر عنه سيبويه وغيره فعدل الناظم إلى تقديم الهاء على الألف؛ لأنه لم يطاوعه كلمة مستعملة على ذلك الترتيب ولو فرض أن أهع له معنى لما كان محصلا للغرض؛ لأن المدة بعد الهمزة لا يتفطن لها أنها مقصودة حرفا ولهذا يسقط من الرسم ألا ترى أنه إذا كتب اسم آدم لم يكتب بعد الهمزة إلا الدال وسقطت المدة وإذا قيل: أهاع كان ستافي تعداد الحروف ومعنى أهاع أفزع من قولهم هاع ويهيع ويهاع إذا جبن ومنه الهيعة لكل ما أفزعك من صوت أو فاحشة تشاع، ويقال: هاع يهوع إذا فاء وكلاهما محتمل هنا في قوله: هاع على ما نبينه والحشاء ما انضمت الضلوع عليه والجمع أحشاء والغاوي اسم فاعل من غوي يغوى غيا؛ أي: ضل وحشى غاو هو مفعول أهاع مقدم على فاعله، والفاعل قوله: خلا قارئ، والخلا بالقصر: الرطب من الحشيش، والرُّطب بضم الراء: الكلأ، ويقال فلان حسن الخلاء؛ أي: طيب الكلام يكنى بذلك عن جودة قراءته وطيب حديثه وكنى به الناظم عن جودة قراءة القارئ وما بجنيه ساقها من التلذذ بها؛ أي: إن قراءة هذا القاريء أفرغت حشا القاريء الضال المنهمك في طغيانه فألقى ما في باطنه من الأخلاق الذميمة واستبدل بها غيرها فقد ظهر وجه التجوز بالمعنيين في أهاع ثم قال كما جرى شرط يسري ضارع وهكذا جرى شرط قراءة من كان ضارعا خاشعا؛ أي: ييسر من سمع منه ذلك لليسرى، ويحكى عن قراءة صالح المري من هذا الباب عجائب وهو أحد الأئمة المتقدمين السادة -رحمه الله- تعالى والنوفل الكثير العطاء؛ أي: لاح هذا القاريء كثير الفوائد والله أعلم.
1150-

"رَ"عى "طُـ"ـهْرَ "دِ"ينٍ "تَـ"ـمَّهُ "ظِـ"ـلُّ "ذِ"ي "ثَـ"ـنا "صَـ"ـفَا "سَـ"ـجْلُ "زُ"هْدٍ "فِـ"ـى "وُ"جُوهِ "بَـ"ـنِى "مَـ"ـلا

أي: رعى هذا القارئ طهارة دين أتم ذلك الدين ظل شيخ ذي ثناء، قال الشيخ: يقال: تم الله عليك النعمة وأتمها؛ أي: هو من باب فعل وأفعل بمعنى واحد كلاهما متعد إلى المفعول ويحتمل أن يقال أرادتم به ظل ذي ثناء ثم حذف حرف الجر وهو الباء فصار تمه؛ أي: تم بذلك الدين ظل ذي ثناء وهذا أحسن معنى من أن يكون الظل أتم الدين، وقد حكى صاحب المحكم: تم بالشيء جعله تاما وأنشد ابن الأعرابي:

إن قلت يوما نعم فتم بها

أي: أتمها فيكون مثل ذهبت به؛ أي: أذهبته، فقول الشاطبي هنا تمه على حذف الباء وحصر لفظ الثناء ضرورة ورأيت في حاشية نسخة قرئت على الناظم -رحمه الله- حكى ابن طريف تمه وأتمه ويقال صفوت القدر إذا أخذت صفوتها والسجل في الأصل الدلو العظيمة إذا كان فيها ماء وجعل ههنا للزهد سجلا كأنه مجتمع في وعاء فأخذ هذا الرجل المشار إليه صفوته، فقوله: سجل زهد مفعول صفا وفاعله ضمير عائد على موصوف ذي ثناء محذوف، وقال الشيخ: التقدير: صفا سجل زهده ثم قال: في وجوه؛ أي: هو كائن في جماعة وجوه والوجوه أشراف القوم والملأ كذلك؛ أي: هم أشراف بنو أشراف ضمن هذا البيت باقي الحروف من الراء إلى الميم ثم قال:
1151-

وَغُنَّةُ تَنْوِينٍ وَنُونٍ وَمِيمٍ انْ سَكَنَّ وَلا إِظْهَارَ فِي الأَنْفِ يُجْتَلى

وغنة تنوين مبتدأ وفي الأنف تجتلا خبره كما تقول هند في الدار تكرم؛ أي: ثم يكشف ويجلي أمرها وأراد



ص -750- عند ذكر الحروف الحلقية فقال: الهمزة والألف والهاء كذلك عبر عنه سيبويه وغيره فعدل الناظم إلى تقديم الهاء على الألف؛ لأنه لم يطاوعه كلمة مستعملة على ذلك الترتيب ولو فرض أن أهع له معنى لما كان محصلا للغرض؛ لأن المدة بعد الهمزة لا يتفطن لها أنها مقصودة حرفا ولهذا يسقط من الرسم ألا ترى أنه إذا كتب اسم آدم لم يكتب بعد الهمزة إلا الدال وسقطت المدة وإذا قيل: أهاع كان ستافي تعداد الحروف ومعنى أهاع أفزع من قولهم هاع ويهيع ويهاع إذا جبن ومنه الهيعة لكل ما أفزعك من صوت أو فاحشة تشاع، ويقال: هاع يهوع إذا فاء وكلاهما محتمل هنا في قوله: هاع على ما نبينه والحشاء ما انضمت الضلوع عليه والجمع أحشاء والغاوي اسم فاعل من غوي يغوى غيا؛ أي: ضل وحشى غاو هو مفعول أهاع مقدم على فاعله، والفاعل قوله: خلا قارئ، والخلا بالقصر: الرطب من الحشيش، والرُّطب بضم الراء: الكلأ، ويقال فلان حسن الخلاء؛ أي: طيب الكلام يكنى بذلك عن جودة قراءته وطيب حديثه وكنى به الناظم عن جودة قراءة القارئ وما بجنيه ساقها من التلذذ بها؛ أي: إن قراءة هذا القاريء أفرغت حشا القاريء الضال المنهمك في طغيانه فألقى ما في باطنه من الأخلاق الذميمة واستبدل بها غيرها فقد ظهر وجه التجوز بالمعنيين في أهاع ثم قال كما جرى شرط يسري ضارع وهكذا جرى شرط قراءة من كان ضارعا خاشعا؛ أي: ييسر من سمع منه ذلك لليسرى، ويحكى عن قراءة صالح المري من هذا الباب عجائب وهو أحد الأئمة المتقدمين السادة -رحمه الله- تعالى والنوفل الكثير العطاء؛ أي: لاح هذا القاريء كثير الفوائد والله أعلم.
1150-

"رَ"عى "طُـ"ـهْرَ "دِ"ينٍ "تَـ"ـمَّهُ "ظِـ"ـلُّ "ذِ"ي "ثَـ"ـنا "صَـ"ـفَا "سَـ"ـجْلُ "زُ"هْدٍ "فِـ"ـى "وُ"جُوهِ "بَـ"ـنِى "مَـ"ـلا

أي: رعى هذا القارئ طهارة دين أتم ذلك الدين ظل شيخ ذي ثناء، قال الشيخ: يقال: تم الله عليك النعمة وأتمها؛ أي: هو من باب فعل وأفعل بمعنى واحد كلاهما متعد إلى المفعول ويحتمل أن يقال أرادتم به ظل ذي ثناء ثم حذف حرف الجر وهو الباء فصار تمه؛ أي: تم بذلك الدين ظل ذي ثناء وهذا أحسن معنى من أن يكون الظل أتم الدين، وقد حكى صاحب المحكم: تم بالشيء جعله تاما وأنشد ابن الأعرابي:

إن قلت يوما نعم فتم بها

أي: أتمها فيكون مثل ذهبت به؛ أي: أذهبته، فقول الشاطبي هنا تمه على حذف الباء وحصر لفظ الثناء ضرورة ورأيت في حاشية نسخة قرئت على الناظم -رحمه الله- حكى ابن طريف تمه وأتمه ويقال صفوت القدر إذا أخذت صفوتها والسجل في الأصل الدلو العظيمة إذا كان فيها ماء وجعل ههنا للزهد سجلا كأنه مجتمع في وعاء فأخذ هذا الرجل المشار إليه صفوته، فقوله: سجل زهد مفعول صفا وفاعله ضمير عائد على موصوف ذي ثناء محذوف، وقال الشيخ: التقدير: صفا سجل زهده ثم قال: في وجوه؛ أي: هو كائن في جماعة وجوه والوجوه أشراف القوم والملأ كذلك؛ أي: هم أشراف بنو أشراف ضمن هذا البيت باقي الحروف من الراء إلى الميم ثم قال:
1151-

وَغُنَّةُ تَنْوِينٍ وَنُونٍ وَمِيمٍ انْ سَكَنَّ وَلا إِظْهَارَ فِي الأَنْفِ يُجْتَلى

وغنة تنوين مبتدأ وفي الأنف تجتلا خبره كما تقول هند في الدار تكرم؛ أي: ثم يكشف ويجلي أمرها وأراد



ص -751- 1152-

وَجَهْرٌ وَرَخْوٌ وَانْفِتَاحٌ صِفَاتُهَا وَمُسْتَفِلٌ فَاجْمَعْ بالَاضْدَادِ أشْمُلا

أي: صفاتها كذا وكذا فذكر أربعة يأتي ذكر أضدادها وعبر عن اثنين من الأربعة بلفظ المصدر وهما الجهر والانفتاح، وعن اثنين بلفظ الصفة وهما رخو ومستفل ولفظ الصفة في الأولين مجهورة منفتحة ولفظ المصدر في الآخرين رخاوة واستفال وبكل ذلك وقعت العبارة في كتب الأئمة والجهر ضده الهمس فالمجهورة تسعة عشر حرفا سميت بذلك من قولهم: جهرت بالشيء إذا أعلنته، وذلك أنه لما امتنع النفس أن يجري معها انحصر الصوت لها فقوي التصويت بها والمهموسة عشرة أحرف وهي ما عدا المجهورة سميت بذلك أخذا من الهمس الذي هو الحس الخفي وقيل: في قوله تعالى: {فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا} هو حس الأقدام ومنه قول أبي زيد في صفة الأسد:

يصير بالدجى هاد هموس

فالهمس الضعف فسميت مهموسة؛ لضعف الصوت بها حين جري النفس معها فلم يقو التصويت بها قوته في المجهورة، فصار في التصويت بها نوع خفاء؛ لانقسام النفس عند نطقها، والرخاوة ضدها الشدة، والانفتاح ضده الإطباق، والاستفال ضده الاستعلاء وسيأتي بيان كل ذلك، وقوله: فأجمل بالأضداد أشملا؛ أي: بمعرفة أضداد ما ذكرت يجتمع شمل جميع الحروف ويعرف صفاتها؛ لأن ما نذكره منها بصفة فالباقي بخلافه فجميع الحروف منقسمة إلى كل ضدين من هذه الأضداد الثمانية فهي أربع تقسيمات وأشملا جمع شمل وهو مفعول فاجمع.
1153-

فَمَهْمُوسُها عَشْرٌ "حَثَتْ كِسْفَ شَخْصِهِ" "أَجَدَّتْ كَقُطْبٍ" لِلشَّدِيدَةِ مُثِّلا

أي: مهموس الحروف عشرة أحرف وإنما أنث العدد على ما ذكرناه من شرح قوله: ثلاث بأقصى الحلق، ثم بين العشرة بأن جميعها في هذه الكلمات الثلاثة وقال غيره سحته كف شخص وقيل: كست شخصه فحث وقيل: ستشحكثك حصفه على الوقف بالهاء ومعنى ستشحثك ستردعك وحصفه اسم امرأة هكذا وجدته في حاشيتي كتاب أحسن من الجميع سكت فحثه شخص ثم جمع الحروف الشديدة من قوله: أجدت كقطب، وقال غيره: أجدت طبقك والفاء للتأنيث أو للخطاب، وقيل أيضا في جمعها: أجدك قطبت، وقوله: مثلا؛ أي: مثل هذا اللفظ وشخص لجميع الحروف الشديدة وسميت هذه الحروف شديدة؛ لأنها قويت في موضعها ولزمته ومنع الصوت أن يجري معها حال النطق بها؛ لأن الصوت انحصر في المخرج فلم يجر؛ أي: اشتد وامتنع قبوله للتليين بخلاف الرخوة فهذه الحروف الشديدة هي ثمانية: منها ستة من المجهورة ومنها اثنان من المهموسة التاء والكاف والستة الباقية مجهورة شديدة اجتمع فيها أن النفس لا يجرى معها ولا الصبوت في مخرجها وهو معنى الجهر والشدة جميعا.
1154-

وَمَا بَيْنَ رَخْوٍ وَالشَّدِيدَةِ "عَمْرُنَلْ" وَ"وَايٌ" حُرُوفُ الْمَدِّ وَالرَّخْوِ كَمَّلا

أي: وما بين حرف رخو والحروف الشديدة حروف قولك عمر نل؛ أي: هذه الحروف الخمسة لا رخوة ولا شديدة فهي بين القبيلين ولا ينبغي أن تكتب هنا بالواو لئلا تصير الحروف ستة وهو منادى مفرد حذف



ص -752- حرف ندائه؛ أي: يا عمرو نل ما ذكرته لله ثم ذكر أن حروف المد يجمعها قولك: وأي وهي ثلاثة أحرف الواو والألف والياء والوأى بهمزة الألف معناه الوعد ولكنه سهل الهمزة؛ ليأتي بلفظ الألف وسميت حروف المد؛ لامتداد الصوت بها عند ساكن أو همزة، ثم قال: والرخو كملا أي وهذا اللفظ الذي هو وأي كملت حروفه الثلاثة الحروف الرخوة التي هي ضد الشديدة؛ أي: إنها معدودة منها وإنما قال ذلك؛ لأن غيره يجعلها من جملة الحروف التي بين الرخوة والشديدة فلما لم يذكرها من حروف "عمر نل" بيّن أنه لم يخل بتركها وإنما هي عنده من قسم الرخوة والذين جعلوها بين الرخوة والشديدة فيصير حروفها عندهم ثمانية يجمعها قولك: لم يروعنا أو لم يرعونا أو لم يروعنا أو ولينا عمرا ولم يروعنا وهو ظاهر كلام سيبويه فإنه لما عد الحروف الرخوة لم يعد حروف المد، وذكر بعدها العين واللام والنون والميم والراء وبينها واحدة واحدة بعبارة تقتضي أنها بين الشديدة والرخوة لم يتم لصوتها الانحصار ولا الجري، ثم قال: ومنها اللينة فوصفهن، ثم قال: وهذه الثلاثة أخفى الحروف لاتساع مخارجها وإخفائهن وأوسعهن مخرجا الألف ثم الياء ثم الواو وظاهر كلام أبي الحسن الرماني في شرح الأصول موافق لما نظمه الشاطبي فإنه قال: وما عدا الشديدة على وجهين شديد يجري فيه الصوت ورخوة أما الشديد الذي يجري فيه الصوت فحرف يشتد لزومه لموضعه ثم يتجافى به اللسان عن موضعه فيجري فيه الصوت؛ لتجافيه وهي الراء واللام والنون والميم والعين وكذا ذكر أبو عمرو الداني في كتاب الإيجاز، وقال: يجمعها قولك: لم يرع، وقال مكي في بعض تصانيفه: الرخاوة فيما عدا الشديدة إلا سبعة أحرف يجمعها قولك يولى عمرو فإنها بين الرخاوة والشدة فأدخل فيها الواو والياء ولم يدخل الألف.
1155-

وَ"قِظْ خُصَّ ضَغْطِ" سَبْعُ عُلُوٍ وَمُطْبَقٌ هُوَ الضَّادُ وَالظَّا أُعْجِمًا وَإِنُ اهْمِلا

أي: حروف هذه الكلم الثلاث هي حروف الاستعلاء وهي سبعة سميت بذلك لارتفاع اللسان بها إلى الحنك وما عداها المستفلة؛ لأنها لا يعلو بها اللسان إلى جهة الحنك وقد مضى في باب ترقيق الراءات معنى هذه الكلمات وبعضهم ألحق العين والحاء المهملتين بالحروف المستعلية فصارت تسعا وأضاف سبعا إلى علو كأنه قال حروف العلو؛ أي: حروف الاستعلاء ويجوز ضم عين علو وكسرها وقوله: ومطبق مبتدأ خبره محذوف قبله؛ أي: وفيها مطبق؛ أي: ومن هذه الأحرف السبعة المستعلية حروف الإطباق وهي أربعة ثم بينها بقوله: أهملا الضاد والظاء المعجمتان والمهملتان؛ يعني: الصاد والطاء والمعجم المنقوط والمهمل الذي لا نقط له وألقى حركة همزة أهملا على نون وإن والألف في آخر أهملا ضمير التثنية وسميت هذه الأربعة مطبقة؛ لأنه انطبق على مخرجها من اللسان ما حاذاه من الحنك وما عدا هذه الأربعة من الحروف كلها يقال له المنفتحة؛ لأنك لا تطبق لسانك منها على الحنك، وذكر الشيخ أبو عمرو أن تسمية هذه الحروف بالمطبقة والمنفتحة فيها تجوز؛ لأن المطبق إنما هو اللسان والحنك، أما الحرف فهو مطبق عنده فاختصر فقيل: مطبق كما قيل: للمشترك فيه مشترك وكذا المنفتحة؛ لأن الحرف لا ينفتح وإنما ينفتح عنده اللسان عن الحنك وكذا المستعلية؛ لأن اللسان يستعلي عندها قال ابن مريم الشيرازي ولولا الإطباق لصارت الطاء دالا والظاء ذالا والصاد سينا ولخرجت الضاد من الكلام؛ لأنه ليس من موضعها شيء غيرها وموضعها موضع الإطباق فإذا عدم الإطباق عدمت الضاد ولأجل أنها غير مشاركة في المخرج لم يوجد في شيء من كلام الأمم إلا في العربية وإنما أخذ ذلك من كلام ابن السراج وفي كلام الرماني زيادة فإنه قال: لولا الإطباق لصارت الطاء دالا؛ لأنه ليس بينهما فرق إلا بالإطباق ولم تصر تاء للفرق بينهما من جهة الجهر والهمس وكذلك سبيل الصاد



ص -753- والسين؛ لأنهما مهموستان ولم يجب مثل ذلك للزاي؛ لأنها مجهورة، وكذلك الظاء والذال ولم يجب في الثاء؛ لأنها مهموسة.
1156-

وَصَادٌ وَسِينٌ مُهْمَلانِ وَزَايُها صَفِيرٌ وَشِينٌ بِالتَّفَشِّي تَعَمَّلا

الذي سبق من الصفات كان له ضد يطلق على باقي الحروف ومن هاهنا صفات لبعض الحروف ليس يطلق على باقيها اسم مشعر بضد تلك الصفات بل يسليها فهذه الثلاثة الصاد والسين المهملتان والزاي تسمى حروف الصفير؛ لأنها يصفر بها وباقي الحروف لا صفير فيها، وهذه الثلاثة هي الحروف الأسلية التي تخرج من أسلة اللسان قال ابن مريم: ومنهم من الحق بها الشين وإنما يقال لها حروف الصفير؛ لأنك تصفر عند اعتمادك على مواضعها قال مكي: والصفر حد الصوت كالصوت الخارج من ضغطة ثقب قال: والتفشي انتشار خروج الريح وانبساطه حتى يتخيل أن الشين انفرشت حتى لحقت بمنشأ الطاء وهي أخص بهذه الصفة من الفاء قال: وقد ذكر بعضهم الضاد من هذا المعنى؛ لاستطالتها لما اتصلت بمخرج اللام، وقال ابن مريم الشيرازي: ومنها حروف التفشي وهي أربعة مجموعة في قولك: مشفر وهي حروف فيها غنة ونفش وتأفف وتكرار، وإنما قيل: لها حروف التفشي وإن كان التفشي في الشين خاصة؛ لأن الباقية مقاربة له؛ لأن الشين بما فيه من التفشي ينتشر الصوت منه ويتفشى حتى يتصل إلى مخارج الباقية وقال الشيخ: سمي الشين المتفشي؛ لأنه انتشر في الفم برخاوته حتى اتصل بمخرج الطاء والتفشي الانتشار، وقوله: صغير؛ أي: ذات صغير والضمير في زايها يرجع إلى الحروف ومهملان نعت صاد وسين وأتى بلفظ صاد وسين وشين على التنكير؛ لأن المعبر عنه لا يختلف منكرا كان أو معرفا ومعنى تعمل هنا اتصف؛ لأن من عمل شيئا اتصف به ولهذا عداه بالياء في قوله: بالتفشي؛ أي: اتصف الشين به ومنه قوله: كن متعملا.
1157-

وَمُنْحَرِفٌ لامٌ وَرَاءٌ وَكُرِّرَتْ كَمَا الْمُسْتَطِيلُ الضَّادُ لَيْسَ بِأَغْفَلا

منحرف خبر مقدم؛ أي: وحرف اللام منحرف؛ أي: مسمى بالمنحرف قال سيبويه ومنها المنحرف؛ أي: ومما بين الرخو والشديد وهو حرف شديد جرى فيه الصوت؛ لأنحراف اللسان مع الصوت ولم يعترض على الصوت كاعتراض الحروف الشديدة وهي اللام إن شئت مددت فيها الصوت وليس كالرخوة؛ لأن طرف اللسان لا يتجافى عن موضعه وليس يخرج الصوت من موضع اللام ولكنه من ناحيتي مستدق اللسان خولف ذلك قال ابن مريم: مخرج الصوت على الناحيتين وما فوقهما وقال الشيخ أبو عمرو: اللسان عند النطق باللام ينحرف إلى داخل الحنك قليلا ولذلك سمي منحرفا وجرى فيه الصوت وإلا فهو في الحقيقة لولا ذلك حرف شديد إذ لولا الانحراف لم يجر الصوت وهي معنى الشدة ولكنه لما حصل الانحراف مع التصويت كان في حكم الرخوة لجرى الصوت وكذلك جعل بين الشديدة والرخوة، وقوله: وراء؛ أي: والراء لذلك فوصف بالانحراف، قال مكي: والراء انحرف عن مخرج النون الذي هو أقرب المخارج إليه إلى مخرج اللام قال الشيخ والراء أيضا فيها انحراف قليل إلى ناحية اللام ولذلك يجعلها الألثغ لاما.



ص -754- قلت: وأكثر المصنفين من النحاة والقراء لا يصفون بالانحراف إلا اللام وحدها، وعبارة سيبويه دالة على ما قال الناظم فإنه قال لما ذكر اللام والنون والميم وبين أنها من الرخوة والشديدة ومنها المكرر وهو حرف شديد جرى فيه الصوت لتكريره وانحرافه إلى اللام فتجافى الصوت كالرخوة ولو لم يكرر لم يجر فيه الصوت وهو الراء فهذا معنى قول الناظم وراء وكررت؛ أي: جمعت بين صفتي الانحراف والتكرير، قال مكي: التكرير تضعيف يوجد في جسم الراء لارتعاد طرف اللسان بها ويقوى مع التشديد ولا يبلغ به حد بفتح وقال ابن مريم إذا وقف الواقف على الراء وجد طرف اللسان يتغير بما فيه من التكرير ولذلك يعد في الإمالة بحرفين والحركة فيه تنزل منزلة حركتين وقال الشيخ أبو عمرو: والمكرر الراء لما تحسه من شبه ترديد اللسان في مخرجه عند النطق به ولذلك أجرى مجرى الحرفين في أحكام متفددة فحسن إسكان: ينصركم ويشعركم ولم يحسن إسكان يقتلكم ويسمعكم، وحسن إدغام مثل: وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم أحسن منه في إن يمسكم ولم يمل طالب وغانم وأميل طارد وغارم وامتنعوا من إمالة راشد ولم يمتنعوا من إمالة راشد وكل هذه الأحكام راجعة في المنع والتسويغ إلى التكرير الذي في الراء قال الشيخ وسمى الضاد مستطيلا؛ لأنه استطال حتى اتصل بمخرج اللام قال مكي: والاستطالة تمدد عند بيان الضاد للجهر والإطباق والاستعلاء وتمكنها من أول حافة اللسان إلى منتهى طرفه فاستطالت بذلك فلحقت بمخرج اللام ومعنى ليس بأغفلا؛ أي: معجم احترز بذلك من الاشتباه بالصاد.
1158-

كَمَا اْلأَلِفُ الْهَاوِي وَ"آوِي" لِعِلَّةٍ وَفِي "قُطْبِ جَدٍّ" خَمْسُ قَلْقَلَةٍ عُلا

أي: ويقال لحرف الألف الهاوي قال سيبويه هو حرف تسع لهواء الصوت مخرجه أشد من اتساع مخرج الياء والواو؛ لأنك قد تضم شفتيك في الواو وترفع في الياء لسانك قبل الحنك وقال الشيخ أبو عمرو: الهاوي الألف؛ لأنه في الحقيقة راجع إلى الصوت الهاوي الذي بعد الفتحة وهذا وإن شاركه الواو والياء فيه إلا أنه يفارقها من وجهين أحدهما ما تحسه عند الواو والياء من التعرض لمخرجيهما والآخر اتساع هواء الألف؛ لأنه صوت بعد الفتحة فيكون الفم فيه مفتوحا بخلاف الضمة والكسرة فإنه لا يكون كذلك فلذلك اتسع هواء صوت الألف أكثر في الواو والياء وقوله: وآوى لعلة؛ أي: حروف كلمة آوى وهو فعل مضارع للإخبار عن المتكلم من آوى ويؤاوي فهو أربعة أحرف همزة ثم ألف وواو وياء ومعنى لعلة؛ أي: هي حروف العلة؛ أي: متهيئة لذلك معدة له يريد أنها حروف العلة؛ أي: الاعتلال لما يعتريها من القلب والإبدال على ما هو معروف في علم التصريف ولم يعد أكثر المصنفين حروف العلة إلا ثلاثة، وزاد الناظم فيها الهمزة لما يدخلها من أنواع التخفيف بالحذف والتسهيل والقلب، ومنهم من عد الهاء منها؛ لانقلابها همزة في نحو ماء وأيهات، وتسمى أيضا الحروف الثلاثة الهوائية؛ لأنها تخرج في هواء الفم قال ابن مريم الشيرازي: وقد يقال لها أيضا الهاوية؛ لأنها تهوى في الفم وليس لها حياز من الفم يعتمد في خروجها عليها قال وبعض النحويين يجعل الألف وحده هو الهاوي قال ولا شك في أن الألف أشد هويا في الفم؛ لأنه أشد امتدادا واستطالة فهو يتمحض للمد، ثم ذكر الناظم حروف القلقلة وهي خمسة وجمعها في قوله: قطب جد وهذا جمع حسن، وقال غيره: جد بطق وقد طبج، ومعنى طبج حمق وهو بكسر الباء ومنهم من يفتحها وفسره بعاب وأضاف خمس إلى القلقلة كما أضاف في سبع ما سبق علو وعلا نعت لقوله: خمس قلقلة؛ أي: خمس عالية؛ أي: معروفة ظاهرة؛ لأن العالي أبدا ظاهرا قال الداني هي حروف مشربة ضغطت من مواضعها فإذا وقف عليها خرج معها صوت من الفم ونبا اللسان عن موضعه وقال مكي القلقلة صويت حادث عند خروج حرفها لضغطه عن موضعه ولا يكون إلا عند



ص -755- الوقف ولا يستطاع أن يوقف عليه دونها مع طلب إظهار ذاته وهي مع الروم أشد، قال الشيخ: سميت بذلك؛ لأنك إذا وقفت عليها تقلقل اللسان حتى تسمع عند الوقف على الحرف منها نبرة تتبعه، وقال الشيخ أبو عمرو: سميت بذلك إما؛ لأن صوتها صوت أشد الحروف أخذا من القلقلة التي هي صوت الأشياء اليابسة وإما؛ لأن صوتها لا يكاد يتبين به سكونها ما لم يخرج إلى شبه التحريك يشبه أمرها من قولهم: قلقله إذا حركه، وإنما حصل لها ذلك لاتفاق كونها شديدة مجهورة فالجهر يمنع النفس أن يجري معها، والشدة تمنع أن يجري صوتها فلما اجتمع لها هذان الوصفان وهو امتناع جري النفس معها وامتناع جري صوتها احتاجت إلى التكلف في بيانها فلذلك يحصل من الضغط للمتكلم عند النطق بها ساكنة حتى تكاد تخرج إلى شبه تحركها؛ لقصد بيانها؛ إذ لولا ذلك لم يتبين؛ لأنه إذا امتنع النفس والصوت تقدر بيانها ما لم يتكلف بإظهار أمرها على الوجه المذكور، وقال ابن مريم الشيرازي: وهي حروف مشربة في مخارجها إلا أنها لا تضغط ضغط الحروف المطبقة غير أنها قريبة منها فإن فيها أصواتا كالحركات تتقلقل عند خروجها؛ أي: تضطرب، ولهذا سميت حروف القلقلة قال: وزعم بعضهم أن الضاد والزاي والذال والطاء منها؛ لثبوتها وضغطها في مواضعها إلا أنها وإن كانت مشربة في مخارجها فإنها غير مضغوطة كضغط الحروف الخمسة المذكورة ولكن يخرج معها عند الوقف عليها شبه النفخ قال: وامتحان حروف القلقلة أن تقف عليها فإذا وقفت خرج منها صويت كالنفح لنشرها في اللها واللسان.
1159-

وَأَعْرَفُهُنَّ القَافُ كُلُّ يَعُدُّهَا فَهذَا مَعَ التَّوْفِيقِ كَافٍ مُحَصِّلا

أي: أعرف القلقلة القاف؛ أي: هي المشهورة بذلك المتضح فيها هذا الوصف فاعرف هذا الموضع هو من التفضيل في باب المفعول وهو مما شذ في كلامهم مثل هو أحد منه وأشهر ثم قال: كي يعدها؛ أي: هي مجمع على عدها من حروف القلقلة، قال الشيخ أبو الحسن: قالوا: أصل القلقلة للقاف؛ لأن ما يحس به من شدة الصوت المتصعد من الصدر مع الضغط والحقر فيه أكثر من غيره قال: وعد المبرد منها الكاف إلا أنه جعلها دون القاف؛ لأن حصر القاف أشد قال المبرد: وهذه القلقلة بعضها أشد من بعض فإذا وصلت ذهبت تلك النبرة؛ لأنك أخرجت لسانك عنها إلى صوت آخر فحال بينه وبين الاستقرار، فهذا آخر الكلام في صفات الحروف التي تعرض الناظم لذكرها وهي منقسمة إلى ما يشعر بقوة وإلى ما يشعر بضعف والجهر والشدة والاستعلاء والإطباق والصفير والقلقلة والتكرير والتفشي والاستطالة والانحراف علامات القوة، أما الهمس والرخاوة والتسفل والانفتاح والمد والاعتلال والهوى فعلامات الضعف فلا تغفل في تطلب تجويد القراءة من مراتب الحروف على حسب تمكنها من القوة والضعف وليست صفات القوة ولا صفات الضعف متساوية فكل قسم منها مختلف المراتب، وقد اتفق له اللفظ بجميع الحروف في هذه الصفات التي ذكرها سوى الزاي المعجمة، وفيها من الصفات ما ذكره في البيت الأول وهو وجهر ورخو وانفتاح صفاتها ومستفل، وعرف ذلك وغيره من ضد ما ذكره والله أعلم، وقوله: فهذا مع التوفيق كاف؛ أي: فهذا الذي ذكرته إذا وفق الله من عرفه يكفيه في هذا العلم ومحصلا مفعول كاف؛ أي: يكفي الطالب المشتغل المحصل ويجوز أن يكون حالا من الضمير في كاف؛ أي: في حال كونه محصلا لغرض الطالب محتويا عليه.



ص -756- 1160-

وَقَدْ وَفقَ اللهُ الكَرِيمُ بِمَنِّهِ لإِكْمَالِهَا حَسْنَاءَ مَيْمُونَةَ الْجِلا

المن الأنعام وحسناء ميمونة حالان ومعنى ميمونة الجلا مباركة البروز؛ أي: كما ظهرت للناس كانت مباركة الطلعة وقد صدق -رضي الله عنه- فإن بركتها عمت كل من حفظها وأتقنها ولو لم يكن إلا كثرة الفوائد الحاصلة من ناظمها:
1161-

وَأَبْيَاتُهَا أَلْفٌ تَزِيدُ ثَلاثَةً وَمَعْ مائَةٍ سَبْعِينَ زُهْرًا وَكُمَّلا

فاعل تزيد ضمير راجع إلى الأبيات لا إلى الألف؛ فإن الألف تذكر وثلاثة نصب على التمييز وسبعين عطف عليه، والتقدير: وتزيد أيضا سبعين مع مائة فصار المجموع ألفا ومائة وثلاثة وسبعين وزهرا وكملا حالان من الضمير في تزيد الراجع إلى الأبيات؛ أي: هي زاهرة كاملة؛ يعني: مضيئة كاملة الأوصاف ويجوز أن يكونا صفتين للتمييز؛ أي: تزيد أبياتها على الألف أبياتا زاهرة وكاملة والوجه الأول أولى؛ لأنه أعم وصفا؛ لأنه يفيد وصف الجميع بخلاف الوجه الثاني:
1162-

وَقَدْ كُسِيَتْ مِنْهَا الْمَعَانِي عِنَايَةً كَمَا عَرِيَتْ عَنْ كُلِّ عَوْرَاءَ مِفْصَلا

أثنى في هذا البيت على معانيها وألفاظها فنصب عناية على أنه مفعولي كسيت؛ أي: أنه اعتنى بها فجاءت شريفة المعاني حسنة المباني، وقابل بين الكسوة والعري فقال: كسيت معانيها عناية وعريت في التعبير عنها عن كل جملة عورا؛ أي: لا تنبيء عن المعنى المقصود فهي ناقصة معينة ونصب مفصلا على التمييز؛ أي: عن كل جملة عابت مفصلا والمفصل العضو؛ أي: عن كل ما قبح مفصله ويجوز أن يكون فاعل عريت ضميرا عائدا على القصيدة ومفصلا تمييز منه؛ أي: كما عريت مفاصلها عن العيوب وعني بذلك القافية أو جميع أجزاء القصيدة جعلها عروسا حسناء ميمونة الجلوة منزهة المفاصل عن العيوب على طولها وصعوبة مسلكها قال الشيخ -رحمه الله- وغيره ينظم أرجوزة؛ يعني: على قواف شتى فيضطره النظم إلى أن يأتي في قوافيها ومقاطعها وأجزائها بما تمجه الأسماع.
1163-

وَتَمَّتْ بِحَمْدِ اللهِ فِي الْخَلْقِ سَهْلَةً مُنَزَّهَةً عَنْ مَنْطِقِ الْهُجْرِ مِقْوَلا

سهولة خلقها انقيادها لمن طلبها؛ أي: إن كل أحد ينقل منها القراءات إذا عرف رموزها من غير صعوبة ولا كلفة ونصب سهلة ومنزهة على الحال ومقولا تمييز وهو اللسان والهجر الفحش؛ أي: ليس فيها كلمة قبيحة يستحي من سماعها.
1164-

وَلكِنَّهَا تَبْغِي مِنَ النَّاسِ كُفْؤَهَا أَخَائِقَةٍ يَعْفُو وَيُغْضِي تَجَمُّلا



ص -757- الكفؤ المماثل، وأخائفة صفة للكفؤ أو بدل منه والإغضاء الستر، ونصب تجملا على أنه مفعول من أجله جعل كفؤها من كان بهذه الصفة؛ لأنه لثقته يعترف بأحسن ما فيها ويقف ويقضي عن الازدراء لما لا بد للبشر منه، قال الله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا}، ثم إذا كان هذا الكفؤ أهلا لانتقادها فهو عالم وحينئذ يرى فيها من الفوائد والغرائب ما يغضي معه عن شيء يراه ولا يعجبه منها إلا أن يذكره على سبيل التنبيه على الفائدة كما أشرنا إليه في مواضع منها فإن هذه طريقة العلماء نصحا لمن يقف عليه ممن لا يبلغ درجته في العلم ذلك والمعاملة مع الله سبحانه، والأعمال بالنيات سهل الله تعالى لمن يقف على كلامنا أن يعاملنا تلك المعاملة لكن الزمان قد فسد وكثر من أهله النكد فما يرضون عن أحد والمستعان عليهم ربنا الواحد الصمد.
1165-

وَلَيْسَ لَهَا إِلا ذُنُوبُ وَلِيِّهَا فَيَا طَيِّبَ الأَنْفَاسِ أَحْسِنْ تَأَوُّلا

وليها؛ أي: ناظمها؛ أي: أنها لما تكاملت صفات حسنها يعرو مفاصلها عن كل عوراء وكونها سهلة الخلق واعتنى بمعانيها ابتغت عند ذلك كفؤا يصلح للاتصال بها فما فيها ما يمنع الكفؤ منها إلا ذنوب وليها المتولي أمرها وكل هذه استعارات حسنة ملائم بعضها لبعض؛ يعني: أن صد الناس عنها أمر فما هو إلا ما يعلمه وليها في نفسه وإنما قال ذلك -رحمه الله- تواضعا لله والمؤمن يهجم نفسه بين يدي الله تعالى ويعترف بتقصيره في طاعته ولو بلغ منها ما بلغ وإلا فوليها -رحمه الله- كان أحد أولياء الله تعالى وقد لقيت جماعة من أصحابه مشايخ أئمة أكابر في أعيان هذه الأمة بمصر والشام وكلهم يعتقد فيه ذلك وأكثر منه مع إجلال له وتعظيم وتوقير حتى حملني ذلك منهم على أن قلت:

لقيت جماعة فضلاء فازوا بصحبة شيخ مصر الشاطبي

وكلهم يعظمه كثيرا كتعظيم الصحابة للنبي

وكأنه -رحمه الله- أشار بقوله: فيا طيب الأنفاس أحسن تأولا إلى ذلك؛ أي: احمل كلامي على أحسن محامله وهو ما حملناه عليه من التواضع وهو كما قال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- وليت عليكم ولست بخيركم وكقول عمر ابن عبد العزيز -رضي الله عنه- في خطبته بعد ما وعظ، وذكر أما أني أقول لكم ولا أعلم عند أحد من الذنوب أكثر مما عندي أو كما قال، وكان الناظم يقول الغرض بها أن ينفع الله بها عباده وينفع بالتعب عليها قائلها فإذا كان مذنبا عاصيا خشي أن يخمد الله علمه فلا ينتفع به أحد ثم إنه -رحمه الله- قال فيما أخبرني عنه شيخنا أبو الحسن وغيره لا يقرأ أحد قصيدتي هذه إلا وينفعه الله تعالى بها؛ لأني نظمتها لله وتأولا مفعول أحسن أو تمييز كما تقول طب نفسا وقر عينا لتطيب نفسك ولتقر عينك وليحسن تأويلك للكلام وذلك بحمله على أحسن محامله.
1166-

وَقُلْ رَحِمَ الرَّحمنُّ حَيًّا وَمَيِّتًا فَتًى كَانَ لِلإِنْصَافِ وَالْحِلْمِ مَعْقِلا

فتى مفعول رحم وحيا وميتا حالان منه متقدمان عليه وهذا اللفظ وجدته للإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل لما أرسل إليه آدم بن أبي إياس يعظه ويقوي نفسه على الصبر في أيام المحنة إذ كان محبوسا فقال أحمد حيا وميتا؛ يعني: آدم ذكره الخطيب أبو بكر في تاريخه في ترجمة آدم ثم وصف المفتي بقوله: للإنصاف والحلم معقلا؛ أي: حصنا



ص -758- أو موضعا لعقل الإنصاف والحلم وقد حمل الشيخ وغيره هذا البيت على أن الناظم عنى بالفتى نفسه ومدحها بذلك فاستبعدت ذلك من جهة أنه غير ملائم لتواضعه بقوله: وليس إلا ذنوب وليها ولا هو مناسب لطلب الترحم عليه فإن اللائق أن يقال: اللهم ارحم عبدك الفقير إليك وهو ذلك فيما إذا أريد به شخص معين ولا نزكي ذلك الشخص أما إذا كان الدعاء لعموم من اتصف بتلك الصفة فإنه سائغ نحو اللهم ارحم أهل الحلم والكرم والعلم فاستنبطت له وجهين آخرين أحدهما أنه أمر بالترحم على من كانت هذه صفته؛ لأنه ندب إلى الإنصاف بنحو ذلك من قبل حين قال أخائقة يعفو ويغضي تجملا وبقوله:

فيا طيب الأنفاس أحسن تأولا

فكأنه قال: وقل رحم الله من كان بهذه الصفة ثم قال: عسى الله يدني سعيه؛ أي: سعى وليها المذكور في قوله: وليس لها إلا ذنوب وليها فيكون الابتداء ترج منه أو يكون داخلا في المقول؛ أي: قل هذا وهذا؛ أي: ادع لمن اتصف بتلك الصفة وادع لناظم القصيدة، ووليها الوجه الثاني أن يكون المأمور به في قوله: وقل البيت الآخر وهو عسى الله يدني سعيه؛ أي: قل ذلك وترجه من الله تعالى ويكون قوله: رحم الرحمن حيا وميتا دعاء من المصنف لمن اتصف بهذه الصفات وهو كلام معترض بين فعل الأمر والمأمور به وكلاهما وجه حسن.
1167-

عَسَى اللهُ يُدْنِي سَعْيَهُ بِجِوَارِهِ وَإِنْ كَانَ زَيْفًا غَيْرَ خَافٍ مُزَلَّلا

يدني؛ أي: يقرب سعيه؛ أي: ما سعى له من عمل البر بجوازه؛ أي: بأن يجعله جائزا فلا يرده بل يتقبله على ما فيه من الخلل فأومأ إلى ذلك بقوله: وإن كان زيفا؛ أي: رديئا يقال للدرهم الرديء: زيف وزايف، وأراد بقوله: غير خاف؛ أي: زيفه ظاهر لا يخفى على من له بصيرة بالأعمال الصالحة ومزللا مثل زيفا يقال زلت الدراهم؛ أي: نفقت في الوزن فمزلل بمعنى منقوص هذا كله إن كان اسم كان ضميرا عائدا على السعي وإن عاد على الناظم صاحب السعي فالمعنى أنها منسوب إلى الزلل والزلة الخطيئة وكل ما ذكرناه على أن تكون الهاء في بجوازه للسعي، ويجوز أن تكون للساعي؛ أي: يدني سعيه بأن يجوز وليه الصراط يقال جزت الموضع أجوزه جوازا إذا سلكته فالمصدر في بجوازه مضافا إلى فاعله ويجوز أن يكون مضافا إلى مفعوله على أن يكون من الجواز بمعنى السقي؛ أي: لسقيه من الحوض يوم العطش الأكبر؛ أي: يكون ذلك من علامة إدناء سعيه وتقريبه وقبوله جعلنا الله كذلك آمين.
1168-

فَيا خَيْرَ غَفَّارٍ وَيَا خَيْرَ رَاحِمٍ وَيا خَيْرَ مَأْمُولٍ جَدًا وَتَفَضُّلا

الجد بالقصر العطية وبالمد الغنا والنفع فيجوز أن يكون قصر الممدود وهو تفضلا منصوبان على التمييز.
1169-

أَقِلْ عَثْرَتِي وَانْفَعْ بِها وَبِقَصْدِها حَنَانَيْكَ يَا اللهُ يَا رَافِعَ الْعُلا

العبرة الزلة والإقالة فيها الخلاص من تبعها وأنفع بها؛ أي: بهذه القصيدة من طلب النفع بها وبقصدها يعني



ص -759- من قصد الانتفاع بها وإن لم يقو عليها فانفعه بقصده ويدخل الناظم في هذا الدعاء؛ لأنه قصد نظمها ونفع الناس بها وقد حقق الله رجاءه واستجاب دعاءه ثم قال: حنانيك فطلب التحنن من الله تعالى وهذا أحد المصادر التي جاءت بلفظ التثنية المضافة إلى المخاطب نحو لبيك وسعديك والمراد بها المداومة والكثرة؛ أي: تحنن علينا تحننا بعد تحنن وقطع همزة اسم الله في النداء جائز تفخيما له واستعانة به على مد حرف النداء مبالغة في الطلب والرغبة ثم كرر النداء بقوله: يا رافع العلا؛ أي: يا رافع السموات العلى كما قال تعالى تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى.
1170-

وَآخِرُ دَعْوَانَا بِتَوْفِيقِ رَبِّنَا أَنِ الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي وَحْدَهُ عَلا

ختم دعاءه بالحمد كما قال الله تعالى إخبارا عن أهل الجنة جعلنا الله بكرمه منهم: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فالباء في بتوفيق ربنا يجوز أن يتعلق بدعوانا؛ لأنه مصدر كما تقول دعوت بالرحمة والمغفرة ويجوز أن تكون باء السبب؛ أي: إنما كان آخر دعوانا أن الحمد لله بسبب توفيق ربنا؛ لاتباع هذه السنة التي لأهل الجنة.
1171-

وَبَعْدُ صَلاةُ اللهِ ثُمَّ سَلامُهُ عَلَى سَيِّدِ الْخَلْقِ الرضَا مُتَنَخِّلا

أي: وبعد تحميد الله تعالى، وذكره فنصلي ونسلم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقوله: صلاة الله ثم سلامه مبتدأ وخبره على سيد الخلق؛ أي: حالان عليه والرضى نعت؛ أي: المرتضي ومتنخلا نصب على الحال؛ أي: مختارا ثم بينه فقال:
1172-

مُحَمَّدٌ الْمُخْتَارُ لِلْمَجْدِ كَعْبَةً صَلاةً تُبَارِي الرِّيحَ مِسْكًا وَمَنْدَلا

محمد عطف بيان وكعبة ثاني مفعولي المختار؛ لأنه اسم مفعول واقع صلة للألف أو اللام والتقدير: الذي اختير كعبة واللام في للمجد يجوز أن تكون للتعليل؛ أي: اختير كعبة تؤم وتقصد من أجل المجد الحاصل له في الدارين ويجوز أن تكون من تتمة قوله: كعبة؛ أي: كعبة للمجد؛ أي: لا مجد أشرف من محمد كما أن كعبة مكة شرفها الله تعالى أشرف ما فيها أو على معنى أن المجد طائف كما يطاف بالكعبة وقول الناس هو كعبة الكرم إنما يراد به أن يحج إليه ويقصد من أجل كرمه كالكعبة وهذه المعاني كلها موجودة في المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وصلاة نصب على المصدر؛ أي: أصلي صلاة هذه صفتها أو يكون منصوبا على المدح؛ لأن ما تقدم من قوله: صلاة الله يغني عن هذا التقدير: ومعنى تباري الريح تعارضها وتجري جريها في العموم والكثرة ومسكا ومندلا حالان؛ أي: ذات مسك ومندل وهو العود أو صلاة طيبة فيكونان صفة لها والطيب يكنى به عن الثناء الحسن ويجوز أن يكونا تمييز بن كمال يقال فلان تيار الريح سخاء؛ أي: يجري سخاوة جريها وتعم عموم هبوبها فالمعنى تباريها مسكها أو مندلها والريح أيضا تحمل الرائحة الطيبة مما تمر به من النبات الطيب الريح فقد اتضحت مباراة الصلاة للريح في حالة الطيب من الجهتين.



ص -760- 1173-

وَتُبْدِي عَلَى أَصْحَابِهِ نَفَحَاتِهَا بِغَيْرِ تَنَاهٍ زَرْنَبًا وَقَرَنْفُلا

أي: وتشهر هذه الصلاة على أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ورضي عنهم نفحاتها بغير تناه؛ أي: لا نهاية لها ولا تناهي لإصابتها إياهم؛ أي: دائمة سرمدية وزرنبا وقرنفلا حالان؛ أي: مشبهة ذلك وهذا مما يقوي أن مسكا ومندلا في البيت السابق أيضا حالان فالقرنفل معروف والزرنب ضرب من النبات طيب الرائحة كرائحة الأترج ورقه كورق الطرفاء، وقيل: كورق الخلاف وفي حديث أم زرعة زوجي المس مس أرنب والريح ريح زرنب، وقال الشاعر:

بأبي أنت وقول الأشيب كأنما زر عليه الزرنب

أو زنجبيل وهو عندي أطيب والزرنب والقرنفل دون المسك والمندل من الطيب فحسن تشبيه الصلاة على الصحابة بذلك؛ لأنهم في الصلاة تبع للنبي -صلى الله عليه وسلم- فلهذا أصابتهم نفحاتها وبركاتها -رضي الله عنهم- وأرضاهم آمين آمين آمين، وقد تم الكتاب والحمد لله رب العالمين.





=======






















إبراز المعاني من حرز الأماني

ص -761- الفهرس:
صحيفة
3 خطبة الكتاب
بيان من نقل عنهم شيء من وجوه القراءات من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.
بيان أسماء أئمة القراءات بالأمصار الخمسة
بيان ضابط تمييز ما يعتمد عليه من القراءات وما يطرح
6 فصل في ذكر القراء السبعة
12 بعض ما جاء في فضائل القرآن العزيز وفضل قراءته
23 بيان القراء السبعة وروانهم وأخبارهم
34 بيان الرموز التي يشير بها الناظم إلى القراء السبعة ورواتهم
39 بيان اصطلاح الناظم في التعبير عن أوجه الخلاف
61 باب الاستعاذة
64 باب البسملة
68 سورة أم القرآن
67 باب الإدغام الكبير
87 باب إدغام الحرفين المتقاربين في كلمة وفي كلمتين
102 باب هاء الكناية
113 باب المد والقصر
126 باب الهمزتين من كلمتين
147 باب الهمز المفرد
155 باب نقل حركة الهمز إلى الساكن قبلها
165 باب وقف حمزة وهشام على الهمز
183 باب الإظهار والإدغام
186 ذكر ذال إذ
187 ذكر دال قد
188 ذكر تاء التأنيث
190 ذكر لام "هل" و"بل"
192 باب اتفاقهم في إدغام إد وقد وتاء التأنيث وهل وبل
195 باب حروف قربت مخارجها
201 باب أحكام النون الساكنة والتنوين
203 باب الفتح والإمالة وبين اللفظين
242 باب مذهب الكسائي في إمالة هاء التأنيث في الوقف
248 باب الراءات
261 باب اللامات
266 باب الوقف على أواخر الكلم
273 باب للوقف على مرسوم الخط
282 باب مذاهبهم في ياءات الإضافة
304 باب مذاهبهم في الزوائد
319 باب فرش الحروف
319 سورة البقرة



ص -762- صحيفة
381 سورة آل عمران
410 سورة النساء
426 سورة المائدة
438 سورة الأنعام
471 سورة الأعراف
489 سورة الأنفال
497 سورة التوبة
503 سورة يونس -عليه السلام
513 سورة هود -عليه السلام
531 سورة يوسف -عليه السلام
541 سورة الرعد
549 سورة إبراهيم
555 سورة الحجر
557 سورة النحل
561 سورة الإسراء
566 سورة الكهف
581 سورة مريم -عليها السلام
587 سورة طه
598 سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
603 سورة الحج
608 سورة المؤمنون
612 سورة النور
617 سورة الفرقان
621 سورة الشعراء
625 سورة النمل
636 سورة القصص
636 سورة العنكبوت
640 ومن سورة الروم إلى سورة سبأ
651 سورة سبأ وفاطر
658 سورة يس
662 سورة الصافات
667 سورة ص
669 سورة الزمر
671 سورة غافر
674 سورة فصلت
675 سورة الشورى والزخرف والدخان
683 سورة الشريعة والأحقاف
687 ومن سورة محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى سورة الرحمن -عز وجل
694 سورة الرحمن -عز وجل
697 سورة الواقعة والحديد
699 ومن سورة المجادلة إلى سورة ن
705 ومن سورة ن إلى سورة النبأ
718 ومن سورة النبأ إلى سورة العلق
726 ومن سورة العلق إلى آخر القرآن
730 باب التكبير
باب مخارج الحروف وصفاتها





=======






















إبراز المعاني من حرز الأماني

ص -763- بسم الله الرحمن الرحيم
تصدير:
الحمد لله الذي أكرمنا بكتابه المنزل، وشرفنا نبيه المرسل، أحمده على ما ولانا من مننه، وخصنا به من جزيل نعمه، حمدًا كثيرًا طيبا مباركا.
وأشهد أن لا إله إلا الله، أضاء بالقرآن القلوب، سبحانه أنزله بأجزل لفظ وأعذب أسلوب.
وأشهد أن سيدنا محمد نبي الرحمة ومبلغ الحكمة وشفيع الأمة وعلى أهله وسلم تسليما.
وبعد:
فلا يعزب عن ذوي الألباب أن علم قراءة القرآن أقدم العلوم في الإسلام نشأة وعهدًا، وأشرفها منزلة ومحتدًا، حيث إن أول ما تعلمه الصحابة من علوم الدين كان حفظ القرآن وقراءته.
ثم لما اختلف الناس في قراءة القرآن وضبط ألفاظه مست الحاجة إلى علم يميز به الصحيح المتواتر والشاذ النادر. ويتقرر به ما يسوغ القراءة الذي تصدر لتدوينه الأئمة الأعلام من المتقدمين.
والحق أن تدوين علم القراءات أفاد المسلمين فائدة لم تحفظ بها أمة سواهم، وذلك أن البحث في مخارج الحروف، والاهتمام بضبطها على وجوهها الصحيحة؛ ليتيسر تلاوة كلمات القرآن على أفصح وجه وأبينه، كان من أبلغ العوامل في عناية الأمة بدقائق اللغة العربية الفصحى، وأسرارها وكانت ثمرة هذا الاهتمام والجهد أن القراء تشربوا بمزايا اللغة وقواعدها ودقائقها.
ومما يؤيد ذلك أن الكثيرين من قدماء النحويين كـ "الفراء" "والخليل بن أحمد الفراهيدي"



ص -764- و"سيبويه" و"ابن كيسان" و"المبرد" و"الجرمي" وغيرهم، كانوا مبرزين في علم القراءات كما كان الكثيرون من أئمة القراء كـ "أبي عمرو بن العلاء" و"على الكسائي" بازعين في علم النحو.
هذا. فكل من يتصدى للنظر في تاريخ اللغة العربية، والقضايا التي تتناولها كتب النحويين، أو البحث في نوع اللغات واختلافها، بحسب الأقطار والأمصار، ينبغي له أن يتبع علم القراءات والتجويد.
ومن شرع في درس معاني القرآن واستقصاء لطائفه واستخراج حقائقه، ثم اعتمد على القراءة الوحيدة التي يحدها في المصحف الذي بين بديه فقط، من غير الثقات إلى روايات الأئمة الآخرين، فقد غفل عن أمر ذي بال، هو: أنه لا فضل لإحدى الروايات على الأخرى في الصحة فترجح رواية على رواية.
هذا.
ولقد منَّ الله على شخصي الضعيف إذ أعانني على تحقيق وتقديم كتاب "إبراز المعاني في حرز الأماني" في القراءات السبع، الذي صنفه الإمام الكبير "عبد الرحمن بن إسماعيل" المعروف بأبي شامة الدمشقي، وهو يعتبر ولا غرو من أنفع الكتب في هذا العلم، ويعد من أجل التصانيف وألطفها؛ إذ امتاز عن غيره -معسبقه وتقدمه- بالتصدي لبيان توجيه القراءات من لغة العرب، واهتمامه بقضايا الإعراب، وتفرده رحمه الله بإصلاح ما عن له إصلاح من أبيات القصيد للمبارك، استجابة منه لقول الناظم "وليصلحه من جاد مقولا" كما اهتم بنظم ياءات الزوائد في نهاية كل سورة من سور القرآن.
ولقد أحسن وأجاد، وأتقن وأفاد، حيث صنف هذا الكتاب على نحو بقرب تناوله، ويسهل فهمه، ويخفف درسه، إذ خلا من الإفراط الممل، ونأى عن التفريط المخل.
وقد شغفت بأبي شامة حيما قرأت كتابه هذا، وحرصت جد الحرص على دراسته بإرادة قوية، وهمة فتية، ونفس طلعة، وكنت كلما عاودت مطالعته وأطلت التأمل فيه بدت لي روعته، وتجلت دقته، فما من موضوع أتناوله بالبحث والتمحيص، إلا وجدت أضواء التحقيق تشرق من سماء عباراته، وأريج التدقيق يعبق من رياض أساليبه.
فلا عجب أن تظل كتبه الدوحة التي يتفيأ في ظلالها الدراسون للقرآن والقراءات، والمنارة التي يهتدي بها الغائصون على درر الوجوه والروايات.
وإني إذ أقدمه إلى القراء: أرجو الله أن يحقق ما إليه قصدت، وفيه رغبت ويعلم الله مدى ما بذلت فيه من جهد. وما أنفقت من وقت، وما تقاضى من مشاق، وحسبي أنها خالصة لوجه الله، وفي سبيل الله.



ص -765- وقد امتازت هذه الطبعة الجديدة بجمال التنسيق، مع ما أضفت إليها مع درر ثمينة، وفوائد مهمة جليلة، جعلتها بين يدي الكتاب.
أرجو الله أن يجعل عملها خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفعنا به في الدنيا والآخرة، إنه نعم المولى ونعم النصير.
إبراهيم عطوة عوض
القاهرة: غرة ربيع الأول سنة 1402هـ
موافق 27 ديسمبر سنة 1981م.



ص -766- ترجمة الإمام الشاطبي:
هو ولي الله: أبو القاسم بن فيره بن خلف بن أحمد الرهيني الشاطبي1، نسبة إلى شاطبة "قرية بجزيرة الأندلس".
كان -رحمه الله تعالى- إماما في علوم القرآن، ناسخًا لكتاب الله تعالى، متقنًا لأصول العربية، رحلة في الحديث، تُضبَط نُسخ الصحيحين من لفظه، غاية في الذكاء، حاذقا في تعبير الرؤيا، مجيدا في النظم، متواضعًا لله تعالى، قدوة في الصلاح، ذا بصيرة صافية، يلوح منه الكرامات.
كان يعذل أصحابه على أشياء ما اطلع عليها، وسمع الأذان بجامع مصر من غير المؤذنين مرارًا، وكان محفوظ اللسان، يمنع جلساءه من فضول الكلام، لا يجلس للإقراء إلا متطهرا، خاشعًا لله تعالى، له تصانيف حسنة، فمن نظمه قصيدة دالية، في كتاب التمهيد لابن عبد البر، من فهمها أحاط بالكتاب علما.
ومنه:

بكى الناس قبلي، لا كمثل مصائبي بدمع مطيع كالسحاب الصوائب

ومنه:

يلومونني إذ ما وجدت سلايما وما لي مليم حسن سمت الأكادما

ومنه في ظاءات القرآن العظيم.
ومن نظمه: رائيته في الرسم فائقة، ورائيته في العدد، وواسطة عقد تصانيفه القصيد الذي ساد في الأمصار، وتلقاه بالقبول علماء الأعصار.
أخذ القراءة عن الشيخ الإمام أبي الحسن علي بن هذيل، عن أبي داود سليمان بن أبي القاسم الأموي، عن الإمام أبي عمرو الداني، وعن الشيخ أبي عبد الله محمد بن العاصي النفزي، عن الشيخ أبي عبد الله محمد بن الحسن، عن أبي الحسن علي بن عبد الرحمن الأنصاري، وعن أبي داود سليمان الأموي على الشيخ أبي عمرو الداني، رحمهم الله تعالى.
ولد آخر سنة ثمانٍ وثلاثين وخمسائة، وتوفي بمصر عصر الأحد آخر جمادى الآخرة سنة تسعين وخمسمائة ودفن بمقبر البيساني. "عرفت الناحية بسارية" بسفح جبل المقطم.
قلت مرثيًا له:

سقت سحب الرضوان طلًا ووابلا ثرًى ضم شخص الشاطبي المسدد

إمام فريد بارع متورع صبور طهور ذو عفاف مؤيد

ذكا علمه، فاختاره الناس قدوة فكم عالم من دره متقلد

هنيئا ولى الله بالخلد ثاويا يعيش رغيد في ظلال مؤبد


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 غاية النهاية لابن جزى "طبقات القراء" والبداية والنهاية لابن كثير، وتذكرة الحفاظ.



ص -767- الشيخ شهاب الدين أبو شامة:
عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان بن أبي بكر بن عباس: أبو محمد وأبو القاسم المقدسي، ثم الدمشقي الشافعي المقرئ النحوي الشيخ الإمام العالم الحافظ المحدث الفقيه المؤرخ، المعروف بأبي شامة1 شيخ دار الحديث الأشرفية، ومدرس الركنية.
مولده:
ولد سنة تسع وتسعين وخمس مائة -وكمل القراءات وهو حدث.
شيوخه:
الشيخ علم الدين السخاوي، وهو تلميذ الإمام الشاطبي، وروى الحروف عن أبي القاسم بن عيسى بالإسكندرية، وسمع الصحيح من داود بن ملاعب، وأحمد بن عبد الله السلمي، وسمع مسند الشافعي من الشيخ موفق الدين المقدسي.
وحبب إليه طالب الحديث سنة بضع وثلاثين وستمائة، فسمع أولًا من كريمة، وأبي إسحاق بن الخشوعي، وطائفة وأتقن علم اللحان، وبرع في القراءات، وتفقه على الفخر بن عساكر، وابن عبد السلام، والسيف الآمدي، والشيخ موفق الدين الدين بن قدامة.
تلاميذه:
وأخذ عنه القراءات الشيخ شهاب الدين حسين بن الكفري، وحمد بن موفق اللبان، وأخذ عنه الحروف وشرح الشاطبية الشيخ شرف الدين أحمد بن سياح الفزازي، وإبراهيم بن فلاح الإسكندراني.
مواهبه:
وكان أوحد زمانه: كتب وألف، وصنف الكثير في أنواع من العلوم.
وكان مع براعته في العلوم متواضعا، تاركا للتكلف، ثقة في العقل.
وكان فوق حاجبه الأيسر شامة كبيرة عرف بها
وكان ذا فنون كثيرة.
قال علم الدين البرزالي الحافظ عن الشيخ تاج الدين الفزاري: إنه كان يقول: بلغ الشيخ شهاب الدين أبو شامة مرتبة الاجتهاد، وقد كان ينظم أشعارًا في أوقات، فمنها ما هو مستحلى، ومنها ما لا يستحلى. فالله يغفر له ولنا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 البداية والنهاية، وتذكرة الحفاظ، وطبقات القراء.



ص -768- وبالجملة: فلم يكن في وقته مثله في نفسه، وديانته، وعفته، وأمانته.
وفاته:
وكانت وفاته بسبب محنة، ألبوا عليه، وأرسلوا إليه من اغتاله وهو بمنزل له بطواحين الأشنان.
وقد كان اتهم برأي [الظاهر براءته منه].
وقد قال جماعة من أهل الحديث وغيرهم: إنه كان مظلوما. ولم يزل يكتب في التاريخ حتى وصل إلى رجب من هذه السنة. فذكر أنه أصيب بمحنة في منزله بطواحين الأشنان. وكان الذين قتلوه جاءوه قبلا فضربوه ليموت، فلم يمت. فقيل له: ألا تشتكي عليهم؟ فلم يفعل، وأنشأ يقول:

قلت لمن قال ألا تشتكي ما قد جرى فهو عظيم جليل

يقيض الله تعالى لنا من يأخذ الحق، ويشقي الغليل

إذا توكلنا عليه كفى فحسبنا الله ونعم الوكيل

ولكنهم عادوا إليه مرة ثانية، وهو في المنزل المذكور، فقتلوه بالكلية، في ليلة الثلاثاء تاسع عشر رمضان، سنة خمس وستين وستمائة -رحمه الله- ودفن من يومه بمقابر دار الفراديس، وباشر بعده مشيخة دار الحديث الأشرافية الشيخ محيي الدين النووي.
وفي هذه السنة كان مولد الحافظ علم الدين القاسم بن محمد البرزالي. وقد ذيل على تاريخ أبي شامة؛ لأن مولده في سنة وفاته، فحذا حذوه، وسلك نحوه، ورتب ترتيبه، وهذب تهذيبه.
فلله در الإمام أبي شامة قارئًا، ومقرئًا، ومؤلفا، وفقيها، ومحدثا، ومؤرخا، وحافظا، ومجتهدا.
مؤلفاته:
له مؤلفات مفيدة، ومصنفات عديدة، منها:
1- شرح كبير على حرز الأماني لم يستكمل.
2- إبراز المعاني من حزر الأماني "وهو الذي بين أيدينا".
3- كتاب الرد إلى الأمر الأول.
4- اختصار تاريخ دمشق، في مجلدات.
5- كتاب في المبعث.
6- كتاب في الإسراء.
7- كتاب الروضتين في الدولتين: النورية والصلاحية.
8- الذيل على ذلك.
9- كتاب إنكار البدع.



ص -769- الدرة الأولى: فيما يتعلق بطالب العلم في نفسه ومع شيخه
ينبغي لطالب العلم أن يلزم مع شيخه الوقار، والتأدب، والتعظيم، فقد قالوا: "بقدر إجلال الطالب العالم ينتفع الطالب بما يستفيد من علمه".
وإن ناظره في علم فبالسكينة والوقار.
وينبغي أن يعتقد أهليته ورجحانه، فهو أقرب إلى انتفاعه به، ورسوخ ما يسمعه منه في ذهنه.
وقد قالت السادة الصوفية: "من لم ير خطأ شيخه خيرًا من صواب نفسه: لم ينتفع".
فيما يتعلق بطالب العلم.
وقد كان بعضهم إذا ذهب إلى شيخه تصدق بشيء، وقال: "اللهم استر عيب معلمى عني، ولا تذهب بركة علمه مني".
وقال الشافعي رحمه الله تعالى:
"أول سطر كنت أتصفح الورقة بين يدي مالك تصفحا رقيقا؛ هيبة له؛ لئلا يسمع رقعها".
وقال الربيع: والله ما اجترأت أن أشرب الماء والإمام الشافعي ينظر إلي؛ هيبة له.
وعن الإمام علي بن طالب رضي الله عنه قال:
من حق المتعلم أن يسلم على المعلم خاصة، ويخصه بالتحية. وأن يجلس أمامه، ولا يشير عنده بيده، ولا يغمزن بعينه غيره، ولا يقولن له: قال فلان خلاف قولك، ولا يغتاب عنده أحدا، ولا يساور في مجلسه، ولا يأخذ بثوب، ولا يلح عليه إذا كسل، ولا يشبع من طول صحبته.
وقال بعضهم: كنت عند شريك رحمه الله تعالى، فأتاه بعض أولاد المهدي، فاستند إلى الحائط وسأله عن حديث، فلم يلتفت إليه، فأقبل إليها، ثم عاد فعاد مثل ذلك:
فقال: أتستخف بأولاد الخلفاء؟.
قال: لا، ولكن العلم أجل عند الله أن أصونه.
فجثى على ركبتيه.
فقال شريك: هكذا يطلب العلم.
وقالوا: من آداب المتعلم أن يتحرى رضى المعلم، وإن خالف رضى نفسه، ولا يفشي له سرا، وأن يرد



ص -770- غيبته إذا سمعها، فإن عجز فارق ذلك المجلس، وأن لا يدخل عليه بغير إذن، وإن دخل جماعة قدموا أفضلهم وأسنهم، وأن يدخل كامل الهيئة فارغ القلب من الشواغل، متطهرا متنظفا بسواك، وقص شارب وظفر، وإزالة رائحة كريهة، ويسلم على الحاضرين كلهم بصوت يسمعهم إسماعا محققا، ولا يخص الشيخ بزيادة إكرام وكذلك يسلم إذا انصرف. ففي الحديث الأمر بذلك، ولا يتخطى رقاب الناس، ويجلس حيث انتهى به المجلس، إلا أن يصرح له الشيخ والحاضرون بالتقدم والتخطي، أو يعلم من حالهم إيثار ذلك، ولا يقيم أحدا من مجلسه، فإن آثره غيره بمجلسه لم يأخذه إلا أن يكون في ذلك مصلحة للحاضرين، بأن يقربه من الشيخ، ويذاكره، فينتفع الحاضرون بذلك.
ولا يجلس في وسط الحلقة إلا لضرورة. ولا بين صاحبين إلا برضاهما، وإذا فسحا له قعد وضم، ويحترس في القرب من الشيخ؛ ليفهم كلامه فهما كاملا بلا مشقة وهذا بشرط أن لا يرتفع في المجلس على أفضل منه، ويتأدب مع رفيقه وحاضري المجلس؛ فإن التأدب معهم تأدب للشيخ، واحترام لمجلسه، ويقعد قعدة المتعلمين، لا قعدة المعلمين، وذلك بأن يجثو على ركبتيه كالمتشهد، غير أنه لا يضع يديه على فخذيه.
وليحذر من جعل يده اليسرى خلف ظهره معقدا عليها، ففي الحديث: "إنها قعدة المغضوب عليهم". رواه أبو داود في سننه.
ولا يرفع صوته رفعا بليغا، ولا يكثر الكلام، ولا يلتفت بلا حاجة بل يقبل على الشيخ مصغيا له، فقد جاءت الرواية: "حدث الناس ما رموك بأبصارهم" أو نحوه.
ولا يسبقهم إلى شرح مسئلة أو جواب سؤال. إلا إن علم من حال الشيخ إبثارا، ليستدل به على على فضيلة المتعمل، ولا يقرأ عنده حال اشتغال قلب الشيخ وملله، ولا يسأل عن شيء في غير موضعه، إلا إن علم من حاله أنه لا يكرهه، ولا يلح في السؤال إلحاحا مضجرا، وإذا مشى كان يمين الشيخ، ولا يسأله في الطريق، فإذا وصل الشيخ إلى منزله فلا يقف قبالة بابه؛ كراهة أن يصادف خروج من يكره الشيخ اطلاعه عليه، ويغتنم سؤاله عن طيب نفسه وفراغه، ويتلطف في سؤاله، ويحسن خطابه، ولا يستحي من السؤال عن ما أشكل عليه. بل يستوضحه أكمل استيضاح، فقد قيل:
من رق وجهه عند السؤال: ظهر نقصه عند اجتماع الرجال.
وعن الخليل بن أحمد: منزلة الجهل بين الحياء والأنفة.
وينبغي له إذا سمع الشيخ يقول مسألة، أو يحكي حكاية وهو يحفظها أن يصغي إليها إصغاء من لا يحفظها إلا إذا علم من الشيخ إيثاره بأن المتعلم حافظ.



ص -771- وينبغي أن لا يترك وظيفة الفروض مع مرض خفيف ونحوه، مما يمكن الجمع بينهما، ولا يسأل تعنتا ولا تعجيزا، فلا يستحق جوابا، ومن أهم حاله أن يحصل على الكتاب بشراء أو غيره، ولا يشتغل بنسخ كتاب أصلا، فإن آفته ضياع الأوقات في صناعة أجنبية عن تحصيل العلم، وركون النفس لها أكثر من ركونها لتحصيله، وقد قال بعض أهل الفضل.
"أود لو قطعت يد الطالب إذا نسخ". فأما شيء يسير فلا بأس به، وكذا إذا دعا إلى فلك قلة ما بيده من الدنيا، وينبغي أن لا يمنع عارية كتاب لأهله، وقد ذمه السلف والخلف ذما كثيرا.
قال الزهري: إياك وغلول الكتاب، "وهو حبسها عن أصحابها".
وعن الفضيل: ليس من أهل الورع، ولا من أفعال الحكماء أن يأخذ متاع رجل، وكتاب رجل فيحبسه عنه.
وقال رجل لأبي العتاهية: أعزني كتابك؟
فقال: إني أكره ذلك.
فقال: أما علمت أن المكارم موصولة بالمكاره، أعاره.
فهذه نبذة من الآداب لمن اشتغل بهذا الطريق، ولا يستغن من تذكرها لتكون معينة على تحصيل المرام والخروج من الظلام إلى النور، والله تعالى هو المنان ذو الجود والإكرام.



ص -772- الدرة الثانية: في حد القراءات والمقرئ والقارئ
فالقراءات علم بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها معزوا لناقله.
فخرج: اللغة، والنحو، والتفسير.
ثم إن ترجيح بعض وجوه القراءات على بعض، إنما هو باعتبار موافقة الأفصح، أو الأشهر، أو الأكثر من كلام العرب، وإلا فالقرآن واحد بالذات متفقه ومختلفه، لا تفاضل فيه.
وموضوع علم القراءات: كلمات الكتاب العزيز من الجهة المذكورة.
وفائدته: صيانته عن التحريف والتغيير، مع ما فيه من فوائد كثيرة، تبنى عليها الأحكام. ولم تزل العلماء تستنبط من كل حرف يقرأ به قارئ معنى؛ لا يوجد في قراءة الآخر.
فالقراءات حجة الفقهاء في الاستنباط، ومحجتهم في الاهتداء إلى سواء الصراط. مع ما في ذلك من التسهيل على الامة، وإظهار شرفها، وإعظام أجرها، من حيث إنهم يفرغون جهدهم في تحقيق ذلك وضبطه، حتى مقادير المدات، إلى غير ذلك.
والمقرئ: من علم بها أداء، ورواها مشافهة، فلو حفظ كتابا امتنع إقراؤه بما فيه إن لم يشافهه من شيوخه مشافهة، بها مسلسلا.
وللقارئ المبتدئ: من أفرد إلى ثلاث روايات والمنتهي من نقل منها أكثرها.



ص -773- الدرة الثالثة: شروط المقرئ وما يجب عليه
شرطه: أن يكون: مسلما، مكلفا، ثقة، مأمونا، ضابطا، خاليا من أسباب الفسق ومسقطات المروءة.
أما إذا كان مستورا، وهو ظاهر العدالة، ولم تعرف عدالته الباطنة، فيحتمل أنه يضره كالشهادة.
والظاهر أنه لا يضره؛ لأن العدالة الباطنة تفسر معرفتها على غير الحكام. ففي اشتراطها حرج على غير الطلبة والعوام.
ويجب عليه أن يخلص النية لله تعالى في كل ما يقربه إليه تعالى.
وعلامة المخلص ما قال ذو النون المصري رحمه الله: "أن يستوي عنده المدح والذم من العامة، ونسيان رؤية الأعمال في الأعمال، واقتضاؤه ثواب الأعمال في الآخرة.
وليحذر كل الحذر من: الرياء، والحسد، والحقد، واحتقار غيره، وإن كان دونه، والعجب وقل من يسلم منه.
وقد روى الكسائي أنه قال: صليت بالرشيد فأعجبتني قراءتي، فغلطت في آية ما أخطأ فيها صبي قط. أردت أن أقول: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} فقلت: لعلهم يرجعين.
فو الله ما اجترأ هارون الرشيد أن يقول لي أخطأت، ولكنه لما سلمت قال: يا كسائي، أي لغة هذه؟
قلت: يا أمير المؤمنين: قد يعثر الجواد. قال: أما، فنعم.
ومن هذا قال الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله.
وليحذر، من كراهة قراءة أصحابه على غيره ممن ينتفع به، وهذه مصيبة ابتلي بها بعض المسلمين الجاهلين، وهي دلالة بينة من صاحبها على سوء نيته وفساد طويته؛ بل هي حجة قاطعة على عدم إرادته وجه الله تعالى، وإلا لما كره ذلك، وقال لنفسه: إن أردت الطاعة فقد حصلت.
ويجب عليه قبل أن ينصب نفسه للاشتغال بالقراءات أن يعلم من الفقه ما يصلح به أمر دينه، وتندب الزيادة حتى يرشد جماعته في وقوع أشياء من أمر دينهم، ويعلم من الأصول ما يدفع به شبهة طاعن في قراءة ومن النحو والصرف طرفا لتوجيه ما يحتاج إليه، بل عما أهم ما يحتاج إليه المقرئ. وإلا فخطؤه أكثر من أصابته، وما أحسن قول الإمام الحضرمي فيه شعرًا:

لقد يدعي علم القراءة معشر وباعهمو في النحو أقصر من شبر



ص -774- فإن قيل: ما إعراب لهذا ووجهه
رأيت طويل الباع يقصر عن فتر
ويعلم من: اللغة والتفسير طرفا صالحا.
وأما معرفة الناسخ والمنسوخ فمن فوازم المجتهدين، فلا يلزم المقرئ، خلافا للجعبري.
ويلزم حفظ كتاب يشتمل على القراءة التي يقرأ بها. وإلا داخله الوهم والغلط في الإسناد.
وإن قرأ وهو غير حافظ فلابد أن يكون ذاكرا لكيفية قراءته وتلاوته به حالة تلقيه من شيخه، فإن شك فليسأل رفيقه أو غيره ممن قرأ بذلك الكتاب حتى يتحقق وإلا فلينبه على ذلك في الإجازة
أما من نسى أو ترك فلا يقرأ عليه به إلا لضرورة، مثل أن ينفرد بسند عالٍ. أو طريق لا يوجد عنده غيره. وإن كان القارئ عليه ذاكرًا، عالمًا بما يقرأ عليه جاز الأخذ عنهه، وإلا حرم.
وليحذر الإقراء بما يحسن: رأيًا، أو وجهًا، أو لغة، دون رواية.
ولقد وضح ابن مجاهد غاية الإيضاح حيث قال:
لا تغتروا بكل مقرئ، إذ الناس طبقات.
فمنهم من حفظ الآية، والآيتين، والسورة والسورتين. ولا علم له غير ذلك. فلا تؤخذ عنه القراءة ولا تنقل عنه الرواية.
ومنهم: من حفظ الروايات ولم يعلم معانيها، ولا استنباطها من لغات العرب ونحوها. فلا يؤخذ عنه؛ لأنه ربما يصحف.
ومنهم من علم العربية ولا يتبع المشايخ والأثر، فلا تنقل عنه الرواية.
ومنهم من فهم التلاوة، وعلم الرواية، ويقصد للقراءات، وليس الشرط أن يجتمع فيه جمع العلوم؛ إذ الشريعة واسعة والعمر قصير "اهـ" مختصرا.
ويتأكد في حقه: تحصيل طرف صالح من أحوال الرجال والأسانيد وهو أهم ما يحتاج إليه. وقد وهم كثير لذلك فأسقطوا رجالا، وسمعوا آخرين، لا بغير أسمائهم. وصحفوا أسماء رجال.
ويتأكد أيضا أن لا يخلي نفسه من الخلال الجيدة من التقلل من الدنيا والزهد فيها، وعدم المبالاة بها. وبأهلها والسخاء، والصبر، والحلم ومكارم الأخلاق. وطلاقه الوجه "لكن لا يخرج إلى حد الخلاصة" وملازمة الورع، والسكينة، والتواضع.



ص -775- وينبغي أن يكون حريصا على التعلم، مواظبا عليه، في جميع أوقاته، ليلا ونهارا، فقد قال الشافعي -رحمه الله تعالى- في رسالته:
حق على طلبة العلم بلوغ نهاية جهدهم في الاستكثار من العلم، ويتصبرون على كل عارض بإخالص النية لله تعالى، والرغبة إلى الله تعالى في الهون عليه.
وفي صحيح مسلم: "لا يستطاع العلم براحة الجسم".
"فائدة":
قال الخطيب البغدادي: أجود أوقات الحفظ الأسحار، ثم نصف النهار، ثم الغداة. وحفظ الليل أنفع من حفظ النهار، ووقت الجوع أنفع من وقت الشبع، وأجود أماكن الحفظ كل موضع بعد عن الملهيات، وليس الحفظ بمحمود بحضرة النبات والخضرة، وقوارع الطرق؛ لأنها تمنع خلو القلب، وينبغي أن يصبر على جفوة شيخه، وسوء خلقه، ولا يصده ذلك عن ملازمته، واعتقاد كماله، ويتأول أفعاله التي ظاهرها الفساد تأويلات، وإذا جفاه الشيخ ابتدأه بالاعتذار، وإظهار الذنب له والعتب عليه.
وقد قالوا: من لم يصبر على أذى التعليم بقى عمره في غاية الجهالة، ومن صبر عليه آل أمره إلى عز الآخرة والدنيا.
وعن أنس -رضي الله عنه- أنه قال:
"ذللت طالبا فعززت مطلوبا".
وبنبغي أن يغتنم التحصيل في وقت الفراغ والشباب، وقوة البدن، واستراحة الخاطر، وقلة الشواغل قبل عوارض البطالة وارتفاع المنزلة، فقد روي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال:
"تفقهوا قبل أن تسودوا".
وقال الشافعي -رضي الله عنه:
تفقه قبل أن ترأس. فإذا ترأست فلا سبيل لك إلى التفقه.
ويكتب كل ما سمعه، ثم يواظب على حلقة الشيخ، ويعتني بكل الدروس، فإن عجز اعتنى بالأهم.
وينبغي أن يرشد رفقته وغيرهم إلى مواطن الاشتغال والفائدة، ويذكرهم أهم ما استفاده: على جهة النصيحة والمذاكرة، وبإرشاده يبارك له في علمه، وتتأكد المسائل معه مع جزيل ثواب لله تعالى، ومن فعل ضد ذلك كان بضده. فإذا تكاملت أهليته، واشتهرت فضيلته، اشتغل بالتصنيف، وجد في الجمع والتأليف والله الموفق.



ص -776- الدرة الرابعة: فيما ينبغي للمقرئ أن يفعله
ينبغي له: تحسين الزي لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله جميل يحب الجمال" وترك الملابس المكروهة وغير ذلك، مما لا يليق به.
وينبغي له أن لا يقصد بذلك توصلا إلى غرض من أغرض الدنيا، من: مال، أو رئاسة، أو وجاهة، أو ثناء عند الناس، أو صرف وجوههم إليه، ونحو ذلك.
وينبغي إذا جلس أن يستقبل القبلة، وأن يكون على طهارة كاملة، جاثيا على ركبتيه، وأن يصون عينيه حال الإقراء عن تفريق نظرهما من غير حاجة، ويديه عن العبث، إلا أن يشير للقارئ إلى المد، والوقف، والوصل، وغير ذلك مما مضى عليه السلف، وأن يوسع مجلسه؛ ليتمكن جلساؤه فيه.
كما روى أبو داود، من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي -صلى الله عليه وسلم قال: "خير المجالس أوسعها".
وأن يقدم الأول فالأول. فإن أسقط الأول حقه لغيره قدمه. هذا ما عليه الناس.
وروى أن حمزة كان يقدم الفقهاء، فأول من كان يقرأ عليه سفيان الثوري.
وكان السلفي وعاصم يبدآن بأهل المعايش؛ لئلا يحتبسوا عن معايشهم.
والظاهر أنهما كانا يفعلان ذلك؛ إلا في حق جماعة يجتمعون للصلاة بالمسجد، لا يسبق بعضهم بعضا، وإلا فالحق للسابق، لا للشيخ.
وأن يسوي بين الطلبة بحسبهم، إلا أن يكون أحدهم مسافرا. أو يتفرس فيه النجابة، وغير ذلك.



ص -777- الدرة الخامسة: في قدر ما يسمع وما ينتهي إليه سماعه
الأصل: أن هذا طاقة، فالطلبة فيه بحسب وسعهم.
وأما ما روي عن السلف أنهم كانوا يقرؤن ثلاثا ثلاثا، وخمسا خمسا، وعشرا عشرا. لا يزيدون على ذلك، فهذه حالة المتلقِّين.
وبلغت قراءة ابن مسعود على النبي صلى الله عليه وسلم من أول النساء إلى قوله تعالى: {وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا}.
وسمع نافع لورش القرآن كله في خمسين يوما.
وقرأ الشيخ نجم الدين مؤلف "الكنز" القرآن جميعا كله على الشيخ تقي الدين بن الصايغ. لما رحل إليه لمصر في سبعة عشر يوما.
وقرأ شيخنا شمس الدين الجزري على الشيخ شمس الدين بن الصايغ من أول النحل وأول الجمعة وختم ليلة الخميس في ذلك الأسبوع للقراء السبع بالشاطبية، والتيسير، والعنوان.
قال: وآخر مجلس ابتدأت فيه من أول الواقعة، ولم أزل حتى ختمت.
قال: وقدم على رجل من حلب، فختم لابن كثير في خمسة أيام، وللكسائي في سبعة أيام.
وقرأ الشيخ شهاب الدين بن الصحان على الشيخ ابن العباس بن نحلة ختمة لأبي عمرو من وراء بيته في يوم واحد.
ولما ختم قال للشيخ: هل رأيت أحدًا يقرأ هذه القراءة؟. فقال: لا تقل هكذا، ولكن قل: أرأيت شيخا يسمع هذا السماع؟
وأعظم ما سمعت في هذا الباب: أن الشيخ مسكين الدين الأسمر دخل يوما إلى الجامع بالإسكندرية، فوجد شيخا ينظر إلى أبواب الجامع. فوقع في نفس المسكين أنه رجل صالح. وأنه يعزم على الرواح إلى جهته ليسلم عليه، ففعل ذلك. وإذا به ابن وثيق. ولم يكن لأحدهما معرفة بالآخر ولا رؤية، فلما سلم عليه، قال للمسكين: أنت عبد الله بن منصور؟ قال: نعم قال: ما جئت من الغرب إلا بسببك؛ لأقرأك القراءات. فقرأ عليه المسكين في تلك الليلة القرآن من أوله جمعا للسبع.
وعند طلوع الشمس: إذا به بقول -من الجنة والناس- فختم عليه القرآن للسبع في ليلة واحدة.



ص -778- الدرة السادسة: فيما يقرأ به
لا يجوز له أن يقرأ إلا بما قرأ أو سمع، فإن قرأ نفس الحروف المختلف فيها خاصة أو سمعها، وترك ما اتفق عليه جاز إقراؤه القرآن بها اتفافا، بالشرط. وهو: أن يكون ذاكرًا كالقدم.
لكن لا يجوز له أن يقول قرأت بها القرآن كله.
وأجاز ابن مجاهد وغيره أن يقول القارئ قرأت برواية فلان القرآن من غير تأكيد، إذا كان قرأ بعض القرآن. هو قول لا يعول عليه؛ لأنه تدليس فاحش، يلزم منه مفاسد كثيرة.
وهل يجوز أن يقرأ بما أجيز له على أنواع الإجازة، جوزه الجعبري مطلقًا، والظاهر أنه تلا بذلك على غير ذلك الشيخ وسمعه، ثم إن أراد أن يعلى سنده بذلك الشيخ، أو بكثر طرة: جاز وحسن؛ لأنه جعلها متابعة. وقد فعل الشيخ تقي الدين بن الصباغ بالمستنير، عن الشيخ كمال الدين الضرير، عن الشيخ السلمي.
وقد قرأ بالإجازة أبو معشر الطبري، وتبعه الجعبري وغيره، وفي النفس منه شيء، ولا بد مع ذلك من اشتراط الأهلية.



ص -779- الدرة السابعة: في الإقراء والقراءة في الطريق
قال مالك رحمه الله تعالى: ما أعلم القراءة تكون في الطريق.
وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه أذن فيها.
وقال الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله تعالى: وأما القراءة في الطريق: المختار أنها جائزة غير مكروهة، إذا لم يلته صاحبها، فإن التهى عنها كره، كما كره النبي -صلى الله عليه وسلم- القراءة للناس مخافة الغلط.
قال شيخنا: وقرأت على ابن أبي الصباغ في الطريق غير مرة: تارة نكونا ماشيين، وتارة يكون راكبا وأنا ماشٍ.
وأخبرني غير واحد: أنهم كانوا يستبشرون بيوم يخرج فيه لجنازة.
قال القاضي محب الدين الحلبي: كثيرًا ما كان يأخذني في خدمته، فكنت أقرأ عليه في الطريق.
وقال عطاء بن السائب: كنا نقرأ على ابن أبي عبد الرحمن السلمي وهو يمشي.
قال السخاوي: وقد عاب علينا يوما الإقراء في الطريق. ولنا في عبد الرحمن السلمي أسوة سنة، وقد كان ممن هو خير منا قدوة.



ص -780- الدرة الثامنة: في حكم الأجرة على الإقراء، وقبول هدية القارئ
أما الأجرة فمنعها أبو حنيفة والزهري، وجماعة لقوله عليه الصلاة والسلام: "اقرءوا القرآن، ولا تأكلوا به"1.
قالوا: ولأن حصول العلم متوقف على معين من قبل المتعلم؛ فيكون ملتزما ما لا يقدر على تسليمه، فلا يصح.
قال في الهداية، وبعض المشايخ استحسن الإيجار على تعليم القرآن اليوم؛ لأنه قد ظهر التواني في الأمور الدينية، وفي الامتناع عن ذلك تضييع حفظ القرآن.
وأجازها الحسن وابن سيرين والشعبي إذا لم يشترط.
وأجازها مالك مطلقا: سواء اشترط المعلم قدرا في كل شهر أو جمعة، أو يوم، أو غيرها. أو شرط على كل جزء من القرآن كذا، ولم يشترط شيئًا من ذلك. ودخل على الجهالة من الجانبين، هذا هو المعول عليه.
وقال ابن الجلاب "من المالكية". لا يجوز إلا مشاهرة: أي مقدرة بشهر ونحوه، ومذهب مالك: أنه لا يقضي للمعلم بهدية الأعياد والجمع.
وهل يقضي بالحذاقة: وهي "الإصرافة" إذا جرى بها العرف أولا؟ قولان، الصحيح: نعم.
قال سنحون: وليس فيها شيء معلوم. وهي على قدر حال الأب.
قال: وإذا بلغ الصبي ثلاثة أرباع القرآن، لم يكن لأبيه إخراجه، ووجبت الختمة للمعلم، ووقف في الثلثين.
فرع:
انظر هل يقضى على القارئ بإعطاء شيء إذا قرأ رواية، ولم أر فيها عند المالطية نصا والظاهر: أن حكمها حكم الحذاقة.
ومذهب الشافعي: جواز أخذ الأجرة إذا شارطه واستأجره أجرة صحيحة.
قال الأصفوني في "مختصر الروضة": ولو استأجره لتعليم قرآن عين السورة والآيات، ولا يكفي أحدهما على الأصح.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرءوا القرآن واعملوا به ، ولا تجفوا عنه، ولا اغلوا فيه، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به" رواه الإمام أحمد والطبراني وأبو يعلى والبيهقي في شعب الإيمان عن عبد الرحمن بن شبل.



ص -781- وفي التقدير بالمدة وجهان: أحدهما: يكفي، والأصح: أنه لا يجب تعيين قراءة نافع أو غيره، وأنه لو كان يتعلم وينسى يرجع في وجوب إعادته إلى العرف.
ويشترط كون المتعلم مسلما أو يرجى إسلامه.
وأما قبول الهدية فامتنع منه جماعة من السلف والخلف تورعا وخوفا من أن يكون بسبب القراءات.
وقال النووي رحمه الله: ولا يشين المقرئ طمع في رفق يحصل له من بعض من قرأ عليه. سواء كان الرفق مالا أو خدمة وإن قل. ولو كان على صورة الهدية التي لولا قراءته عليه لما أهداها إليه.



ص -782- الدرة التاسعة: تدوين القراءات
قيض الله تعالى لكتابه المجيد الذي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} مَن دوَّن وجوه قراءاته، وضبط طرق رواياته، فاجتهدوا في ذلك حق الاجتهاد، وبذلوا النصح في ذلك لله ورسوله والعباد، فأخذوا في جمع ذلك وتدوينه، فاستفرغوا فيه وسعهم، وبذلوا جهدهم، فكان أول إمام معتبر جمع القراءات في كتاب: أبو عبيد "القاسم بن سلام"، وجعلهم خمسة وعشرين قارئا، مع هؤلاء السبعة، توفي سنة أربع وعشرين ومائتين.
ثم تلاه الجمامة، سالكين سنته ومقلدين سنته، فكثرت التآليف وانتشرت التصانيف، واختلفت أغراضهم بحسب الإيجاز والتطويل، والتكثير والتقليل، وكل له مقصد سني، ومذهب مرضي، فكان أول من تابعه "أحمد بن جبير" الكوفي، نزيل أنطاكية، فجمع كتابا في القراءات الخمسة، من كل مصر واحد، ثم القاضي "إسماعيل ابن إسحاق" المالكي، صاحب "قالون"، فألف كتابا جمع فيه قراءة عشرين إماما، منهم هؤلاء السبعة، ثم الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، فألف كتابا سماه "الجامع"، فيه نيف وعشرون قراءة، ثم الإمام "أبو بكر محمد الداجوني" فجمع كتابا في الأحد عشر، وأدخل معهم أبا جعفر، ثم "في أثره" الإمام "أبو بكر أحمد بن العباسي، مجاهد"، أول من اقتصر على هؤلاء السبعة، فإنه أحب أن يجمع المشهور من قراءات الحرمين، والعراقين والشام؛ إذ هذه الأمصار الخمسة هي التي خرج منها علم النبوة، من القرآن وتفسيره، والحديث والفقه، في الأعمال الباطنة والظاهرة وسائر العلوم الدينية.
فلما أراد ذلك جمع قراءات سبعة مشاهير من أئمة قراء هذه الأمصار؛ ليكون ذلك موافقا لعدد الحروف التي أنزل عليها القرآن، لا لاعتقاده، أو اعتقاد غير من العلماء، أن هؤلاء السبعة المعينين هم الذين لا يجوز أن يقرأ بغير قراءاتهم.
وقد ألف الناس في زمانه وبعده في القراءات أنواع التآليف ككتاب "الغاية" لأبي بكر أحمد بن مهران الأصبهاني ثم "المنتهى" في العشر، "لأبي الفضل بن جعفر الخزاعي"، ثم "الإرشاد" "لأبي الطيب عبد المنعم بن غلبون"، ثم "التذكرة" "لأبي الحسن طاهر بن غلبون" الحلبي، نزيل مصر، و"الهادي" "لأبي عبد الله بن سفيان القيرواني" و"المجتي، "لعبد الجبار الطرطوسي" نزيل مصر"، و"الروضة" "لأبي عمر أحمد الطلمنكي"، أول من أدخل القراءات الأندلس، و"التبصرة" "لأبي محمد مكي بن أبي طالب القيرواني"، و"الهداية" "لأبي العباس ابن عمار، المهدوي، و"الروضة" في العشرة المشهورة "وقراءة" "الأعمش"، لأبي علي "الحسن البغدادي" المالكي



ص -783- نزيل مصر، و"المفيد" في العشرة، "لأبي نصر أحمد بن مسرور" البغدادي، و"التيسير" و"جامع البيان" في السبع، ولم يؤلف مثله في هذا الفن، يشتمل على نيف وخمسمائة رواية وطريق: عن السبعة للحافظ "أبي عمرو الداني"، و"مفردة يعقوب" له أيضا، و"التذكار" "لأبي الفتح عبد الواحد بن شيطا" البغدادي، و"الوجيز" للإمام الذي لم يلحقه أحمد في هذا الشأن، "أبي علي الحسن الأهوازي"، نزيل دمشق، و"الجامع" في العشر، وقراءة الأعمش، لأبي محمد "الخياط" البغدادي، و"العنوان" لأبي الطاهر ابن خلف" الأندلسي، ثم المصري، و"القاصد" "لأبي القاسم عبد الرحمن بن سعيد" الخزرجي القرطبي، و"الكامل" في العشر، والأربع مع الزائدة عليها من ألف وأربعمائة وتسعة وخمسين رواية وطريق، "لأبي الناسم يوسف ابن جبارة" الهذلي، المغربي، الذي طاف البلاد، وروى عن أئمة القراءة، حتى انتهى إلى ما وراء النهر، قال "في كامله": جملة من لقيت في هذا العلم ثلثمائة وخمسة "وستون" شيخا. "والتلخيص" في الثمان، "لأبي معشر عبد الكريم" الطبري، شيخ "مكة" و"الجامع" في العشر، "لأبي الحسين نصر بن عبد العزيز" الفارسي، و"الكافي" "لأبي عبد الله محمد بن شريح" الرعيني الإشبيلي، و"المستنير" في العشر، "لأبي الطاهر بن سوار" البغدادي، و"المهذب" في العشر للزاهد "أبي منصور الخياط" البغدادي، و"المصباح" في العشر، لأبي الكرم: المبارك بن الحسين بن فتحان" الشهرزوري البغدادي و"تلخيص العبارات" "لأبي على الحسن بن بلِّيمة بفتح الموحدة، وتشديد اللام المكسورة بعدها الياء آخر الحروف الهواري القيرواني، تنزيل الاسكندرية، و"التجريد" و"مفردة يعقوب" كلاهما لشيخ الاسكندرية "أبي القاسم عبد الرحمن بن أبي بكر، الصقلي ابن الفحام، و"الإرشاد" في العشر: و"الكفاية الكبرى" كلاهما "لأبي العز القلانسي" الواسطي، و"الموضح"، و"المفتاح" كلاهما "لأبي منصور: محمد بن خيرون" العطار البغدادي الخطيب "أبي جعفر: أحمد بن الباذين" الغرناطي، و"الإشارة" في العشرة "لأبي منصور أحمد" العراقي، و"المبهج" في القراءات الثمان، وقراءة الأعمش، وابن محيصن، وخلف، واليزيدي، و"الإيجاز"، و"إرادة الطالب" في العشر، وهو فرش القصيدة المنجدة، وكتاب "تبصرة المبتدي" و"الكفاية" في الست: الخمسة "لأبي محمد عبد الله بن علي" سبط الخياط، مؤلف المهدب و"المفيد" في الثمان، لأبي عبد الله محمد الحضرمي" اليمني، و"غاية الاختصار"، للحافظ، مؤلف المهذب و"المفيد" في الثمان، لأبي عبد الله محمد الحضرمي، اليمني، و"غاية الاختصار"، للحافظ "أبي العلاء: الحسن بن أحمد العطار" الهمذاني، و"حرز الأماني" المشهورة بـ "الشاطبية"، لولى الله "أبي القاسم بن فيره بن خلف" الرعيني الأندلسي الشاطبي الشافعي الضرير، و"شرحها"، "لعلم الدين" السخاوي، وهو أول من شرحها، واشتهرت بسببه، وكان أهل مصر كثيرا ما يحفظون "العنوان"، فلما ظهرت القصيدة تركوه وكتاب "جمال" القراء، و"كمال الإقراء" للسخاوي أيضا -اشتمل على ما يتعلق بالقراءات، والتجويد،



ص -784- والناسخ والمنسوخ، والوقف والابتداء. ثم شرح الشاطبية الإمام "أبو القاسم: عبد الرحمن أبو شامة"، ثم "أبو عبد الله: محمد بن الحسن الفاسي"، ثم "أبو عبد الله محمد بن أحمد الموصلي" عرف بـ "شعلة" وله "الشمعة" قصيدة رائية، قدر نصف الشاطبية، أحسن نظمها، واختصارها، و"حرز المعاني في اختصار حرز الأماني" للإمام "محمد بن عبد الله بن مالك" الأندلسي، نزيل دمشق، وله قصيدة أخرى دالية في القراءات، يقول فيها:
ولا بد من نظمي قوافي تحتوي
لما قد حوى حرز الأماني وأزيدا
"والتكملة المفيدة لحافظ القصيدة" في وزن الشاطبية، للخطيب "أبي الحسن علي بن عمر "الكتاني القيجاطي، نظم فيها ما زاد على الشاطبية، من تبصرة مكي، و"كافي" ابن شريح، و"وجيز" الأهوازي، و"مختصر الشاطبية"، لـ "عبد الصمد بن التبريزي" في خمسمائة وعشرين بيتا.
وشرح الشاطبية أيضا: "أبو العباس ابن جبارة المقدسي" والعلامة المحقق "أبو إسحاق إبراهيم بن عمر، الجعبري "نزيل مدينة الخليل عليه السلام"، بشرح عظيم لم يصنف مثله، وكتاب "الشرعة في السبعة" جميعه أبواب، لم يذكر فيه فرشا، بل ذكر الفرش في أبواب أصوله لقاضي حماة، العلامة "شرف الدين هبة الله بن عبد الكريم" البارزي، و"الكنز" في العشر، و"الكفاية" في العشر، نظم كتاب الكنز على وزن الشاطبية ورويِّها، كلاهما لـ "أبي محمد: عبد الله بن عبد المؤمن بن الوجيه" الواسطي، و"جمع الأصول في مشهور المنقول" قصيدة لامية في وزن الشاطبية ورويها، و"روضة التقرير في الخلف بين "الإرشاد" و"التيسير" كلاهما لأبي الحسن علي "الديواني" الواسطي، و"عقد الآلي في قراءات السبع العوالي" في وزن الشاطبية ورويها، لم يأت فيها برمز، وزاد فيها على التيسير كثيرًا، نظم الإمام "أبي حيان" الأندلسي، الشافعي.
وشرح الشاطبية، و"باب وقف "حمزة وهشام" منها مفردا" الإمام "بدر الدين: الحسن بن قاسم بن عبد الله بن علي"، المعروف بـ "ابن أم قاسم، المرادي المغربي" المجتهد، المصري المولد.
وشرحها أيضًا "أبو العباس: أحمد بن يوسف" الحلبي، نزيل القاهرة، المعروف بالسمين.
وشرحها مصنف "البستان في الثلاثة عشر" أبو بكر عبد الله بن أيدغدي" الشمس، الشهير "ابن الجندي". "والنجوم الزاهرة في السبعة المتواترة" لأبي عبد الله محمد بن سليمان" المقدسي، الحكري الشافعي، الجامع لعيون الفضائل المآثر والمعالي اللامع نجوم علوها في مواقع الترافع والتعالي: كان شيخ عصره في القراءات بلا مدافعة، وفارس ميدانها، والمحكوم له بالسبق من غير ممانعة، ولي قضاء بيت المقدس، وقضاء المدينة النبوية الشريفة، قبل ذلك، ثم ولي قضاء مدينة الخليل، واستقر بها مدة سالكًا أحسن سبيل، وتوفي ببيت المقدس بالبطن شهيدًا، عام 781، وفرغ من تأليف "النجوم" سنة 756.



ص -785- وشرح "الشاطبية" أيضا مصنف كتاب "مصطلح الإشارات"، في الستة بعد السبعة.
"وقرة العين في الفتح والإمالة وبين اللفظين"، "أبو البقاء: علي بن عثمان بن الفاصح"، وكان في عصر الثمانمائة.
وكتاب "النشر في القراءات العشر"، الجامع لجميع طرق ما ذكرناه في هذه المؤلفات، وفرائد فوائدها، الذي لم يسبق إلى مثله، و"تقريبه" و"طيِّبته" لشيخ مشايخنا، الذي "وصف بأنه" لم تسمح الأعصار مثله "أبي الخير: محمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن الجزري".
وشرح "الطيبة" وَلَد المؤلف، والعلامة الشيخ "أبو القاسم النويري" المالكي، وشيخنا العلامة، زين الدين عبد الدايم الأزهري، رأيته يسود فيه، ولعله لم يكمل.
وكتاب "إيضاح الرموز ومفتاح الكنوز" و"نظمه" في القراءات الأربعة عشر، للإمام "شمس الدين: محمد بن خليل: أبي بكر بن محمد الحلبي، المشهور بابن القباقبي، وقال: إنه أخذ العشرة من تقريب النشر، وقراءة "ابن محيصن" من "المبهج"، و"مفردة" الأهوازي، و"الحسن البصري" من "المفردة"، و"اليزيدي" من "المبهج" و"المستنير"، و"الأعمش" من "المبهج"، إلى غير ذلك مما لا يدخل تحت الحد.
والله ولي التوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وإليه المرجع والمأب.
"ا. هـ" شهاب الدين القسطلاني.
==========

ج 2--القاموس المحيط { باب الحاء فَصْل الهَمْزة الي فَصْلُ اليَاء}

 القاموس المحيط   باب الحاء فَصْل الهَمْزة الإِجاجُ، مُثَلَّثَةَ الْأَوَّلِ السِّتْرُ. أحَّ سَعَلَ. والْأُحاحُ، بالضم العَطَشُ، والغيظُ، وحز...